توصلت فرنسا إلى اتفاق لمراجعة إجراءاتها العقابية بشأن منح التأشيرات مع كل من تونس والجزائر، وفي المقابل لم تتوصل الى أي اتفاق في هذا الشأن مع المغرب في ظل غياب التواصل بين البلدين لاسيما بعدما غادرت السفيرة الفرنسية الرباط نحو وجهة أوروبية.
وكانت باريس قد اتخذت خلال سبتمبر الماضي عقوبات بالتخفيض من نسبة التأشيرات الى النصف لكل من الجزائر والمغرب وبنسبة 30% في حق التونسيين. وبررت قرارها بعدم التزام الدول الثلاث باستقبال مواطنيها الذين يجري ترحيلهم من فرنسا لأسباب تتعلق إما بالإجرام المنظم أو التورط في الإرهاب.
وخلال الشهرين الأخيرين، اتفقت فرنسا مع تونس في البدء ثم مع الجزائر بعد زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الى هذا البلد مؤخرا على إرساء تفاهم جديد في مجال منح التأشيرات، وتخلت سفارات وقنصليات فرنسا في البلدين عن معظم الإجراءات التعسفية في هذا الشأن.
في المقابل، تستمر فرنسا في تطبيق إجراءات صارمة تصل الى مستوى التعسف في حق المغاربة طالبي التأشيرات، حيث بلغت نسبة الرفض ما يفوق 70% وليس فقط 50% التي أعلنتها باريس في البدء. ولعل المثير في الأمر هو أن منع التأشيرة استهدف أساسا النخبة المغربية من وزراء سابقين وأطر مؤسسات مثل مؤسسة الفوسفاط ومقربين من محيط الملك محمد السادس ورجال أعمال. وكانت نسبة من هؤلاء تهدف الى المشاركة في مؤتمرات احتضنتها فرنسا. وتتعامل قنصليات فرنسا، في المقابل، بنوع من الليونة مع تأشيرات الطلبة والمغاربة الراغبين في العلاج في هذا البلد الأوروبي.
وفسر البعض هذا في المغرب بـ”أن فرنسا تهدف إلى الضغط على المسؤولين المغاربة والنخبة بسبب الأزمة القائمة بين البلدين”. ويخشى البعض من تفاقم مشكل التأشيرة إذا لم يتوصل البلدان إلى حل في القريب العاجل. ومن عناصر التدهور هو رحيل السفيرة الفرنسية هيلين لوغال المعتمدة في الرباط نهاية سبتمبر الجاري لشغل منصب المسؤولة عن شمال إفريقيا والشرق الأوسط في المفوضية الخارجية للاتحاد الأوروبي. ولم تقدم باريس على تعيين خلف لها، علما أن باريس تعتبر الرباط ضمن العواصم الهامة جدا لدبلوماسيتها رفقة واشنطن وموسكو ولندن وبرلين. وبالتالي، تعمل دائما على اختيار أحسن الدبلوماسيين وتخبر الرباط بالتعيين قبل نهاية مهام السفير المنتهية ولايته.
وتمر العلاقات بين الرباط وباريس بأزمة شائكة للغاية رغم تفادي مسؤولي البلدين الحديث عنها، وزيارة مرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب الشهر المقبل. فقد جمّدت باريس زيارات وزرائها الى المغرب ولم تستقبل أي وزير بشكل رسمي منذ أكثر من سنة. كما لم يحدث أي اتصال بين الرئيس ماكرون والعاهل المغربي الملك محمد السادس رغم تواجد الأخير في باريس منذ ثلاثة أشهر ونصف.
وتلمح كل دولة الى أسباب الأزمة، حيث تشير الرباط الى الموقف الغامض لفرنسا من سيادة المغرب على الصحراء وقلقها من انفتاح المغرب على شركاء اقتصاديين جدد. وفي المقابل، ينسب الفرنسيون الأزمة الى فرضية تجسس المغاربة على هواتف مسؤولين كبار ومنهم الرئيس إيمانويل ماكرون بواسطة برنامج بيغاسوس الإسرائيلي، وامتناع الرباط عن الاعتراف بهذا الخرق ثم نوعية المعلومات التي حصلت عليها.