تميزت السنوات الأخيرة في المغرب بارتفاع ملاحقة القضاة الذين يصنفون بقضاة الرأي، بمعنى الاستقلالية، لتعبيرهم عن آراء حول إصلاح العدالة ومحاربة الفساد وآخرهم القاضي محمد الهيني. وبهذا تنضاف ملاحقتهم الى الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان وبعض السياسيين. وتعتبر عمليات الطرد نتيجة الاصطدام بين مؤسسات الدولة ونادي القضاة، ويحمل سيف الملاحقة وزير العدل و”الحريات” مصطفى الرميد.
وكان قطاع القضاء مثل العلبة الصامتة وشبيهة بالمؤسسة العسكرية في المغرب، ولكن خلال السنوات الأخيرة شهد دينامية جديدة تعتبر من أبرز المنعطفات في الحياة السياسية والقضائية بفضل ظهور نادي قضاة المغرب الذي تجاوز التنظيم العتيق لودادية القضاة القريبة من الدولة قلبا وقالبا.
وبدأت أسماء قضاة تظهر الى العلن منددة بالفساد ومطالبة باحترام حقوق الإنسان وفصل النيابة العامة عن وزير العدل. وكان القضاة يعتقدون في وصول ناشط حقوقي من حزب العدالة والتنمية، مصطفى الرميد الى كرسي وزارة العدل وإصراره على إضافة “الحريات” الى الوزارة عاملا مساعدا على إصلاح قطاع يجمع المغاربة على أنه رمز الفساد في البلاد.
ولأول مرة، يظهر في المشهد العام المغربي أسماء قضاة نددوا بالفساد علانية الى مستوى الدخول في جدل قضائي مع الدولة المغربية عبر وزارة العدل. وبدأت أسماء قضاة مثل محمد عنبر والقاضي عادل فتحي والقاضي محمد الهيني وقاضي العيون محمد قنديل والقاضية آمال حماني. تحضر في الاعلام وخاصة الرقمي تدلي برأيها في قطاع ظل مبهما ورمزا للفساد بالنسبة للمواطنين وسلاحا ضد الحريات.
ولا يمكن فهم خروقات حقوق الإنسان والحملات التي تشن في الخارج لتحسين هذا الوضع بمعزل عن الأحكام التي تصدر عن بعض القضاة، حيث يندد الكثير من الناشطين بثقافة التعليمات للقضاة.
والانتفاضة الحقوقية للقضاة عبر نادي قضاة المغرب منذ ثلاث سنوات والأسماء الجريئة المذكورة مقلقة للدولة المغربية، لسببين، الدول التي لم تنتقل الى ديمقراطية حقيقية تسيطر على قطاع العدل ليكون وسيلة في يدها للمواجهة، والسبب الثاني انفلات القضاة من رقابة الدولة يساهم في اصلاح حقيقي لا يراعي الإيقاع الذي ترغب في أي دولة.
ومن سخرية الأقدار أن المحامي الذي حمل شعارات رنانة من أجل إصلاح القضاء عندما كان في المعارضة وأضاف مصطلح “الحريات” الى وزارة العدل، مصطفى الرميد تحول الى ماكارثي قضاة المغرب وسيف دومقليس، وفق تصريحات عشرات القضاة من نادي قضاة المغرب.
وحسابيا، لم يسبق قيام الدولة بعزل قضاة بسبب آرائهم وإن كانت لطيفة العقاب في الذين بالغوا في الفساد، لكن السنتين الأخيرتين حطمت رقما قياسيا في طرد قضاة بسبب آرائهم وليس بسبب الفساد. ولم يسبق أن بلغ التوتر بين الدولة والجسم القضائي كما يحدث الآن.
ويشير نادي قضاة المغرب أن معركة كرامة القاضي وكرامة قطاع القضاء لن تنتهي بطرد الهيني أو الذين سبقوه بل ستستمر. وهكذا، فبعد عنبر وفتحي وقنديل والهيني، من هي الضحية المقبلة للدولة المغربية وسيفها جوزيف ماكارثي قضاة المغرب، وزير العدل والحريــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات مصطفى الرميد.