أعلن رئيس الوزراء التركي الطيب رجب أردوغان خلال زياته للجزائر، التي أنهاها مساء أمس، على أن بلاده تطمح لأن يكون هذا البلد المغاربي بوابتها نحو إفريقيا. وتعاطت الحكومة الجزائرية مع الضيف التركي بكثير من البرغماتية والذكاء تجاوزت فيها كثير من الاختلافات على مستوى الإديولوجية و المواقف لتظفر بالأهمية الاستراتجية بالنسبة إلى تركيا في القارة الإفريقية. و في المقابل، لم تخلف زيارة أردوغان للمغرب ذات النتائج بسبب انعكاس الصراعات الداخلية والمواقف السياسية داخل مؤسسة السلطة المغربية على زيارة الضيف التركي فأثر ذلك على الحصيلة التي بدت باهتة.
وأنهى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردوغان أمس الاربعاء زيارته الرسمية إلى الجزائر والتي استغرقت يومين، وتوجه بعدها إلى تونس لينهي جولته الرسمية المغاربية التي بدأها الاثنين من المغرب. وباشر أرودغان منذ وصوله إلى الجزائر برفقة نظيره الوزير الأول عبد المالك سلال الإشراف على صياغة اتفاقيات تدفع بتعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي والسياسي بين البلدين.
وافادت وكالة الأنباء الجزائرية أن المسؤولين التركي والجزائري توليا عملية إعطاء إشارة بدء انطلاق عمل المصنع الجديد للفولاذ الذي أنجزته الشركة التركية الخاضعة للقانون الجزائري “توسيالي ايرون اند ستيل” بدائرة بطيوة، وهي تعتبر أكبر استثمار لتركيا في الخارج، بلغت تكلفته حوالي 720 مليون دولار، ويوفر أزيد من 1000 منصب عمل مباشر ويطمح الى تحقيق مداخيل سنوية تناهز 1 مليار دولار.
ونقلت وسائل الإعلام الجزائرية عن رئيس الوزراء التركي خلال كلمة ألقاها داخل مصنع الحديد التركي: إن “الجزائر بلد صديق وممون آمن بالطاقة بالنسبة للاقتصاد التركي”، مؤكدا بأنه يحث دوما الشركات التركية الكبرى على الاستثمار في الجزائر”. واشرف اوردغان وسلال على لقاء موسع جمع الوفد الحكومي التركي ونظيره الجزائري إضافة إلى رجال الأعمال بين البلدين، وجرى التوقيع على عدة اتفاقيات ثنائية. وتسلم الضيف التركي من جامعة الجزائر شهادة دكتوراه فخرية في حين كان رفض تسلم دكتوراه فخرية في جامعة حممد الخامس في الرباط.
وأبدى المسؤول التركي رغبة كبيرة لدى بلاده في الرفع من مستوى التعاون الاقتصادي و السياسي و الثقافي مع الجزائر، حيث أبرز في كلمة له سعي بلاده في “رفع حجم المبادلات التجارية مع هذا البلد المغاربي إلى 10ملايير دولار على المدى القريب بدل 5ملايير دولار حاليا”. وتعهد بالعمل على رفع التبادل السياحي والثقافي والجامعي إلى مستويات أرفع. ويبقى أمران إثنان في كلمة رئيس الوزراء التركي التي تنعكس باهمية بالغة على العلاقات التركية الجزائرية، وأيضا تلبي طموحات الجار الشرقي للمغرب خصوصا بشأن تطلعه إلى لعب دور حيوي في منطقة المغرب العربي وإفريقيا:
أولها: هو اعتبار الرئيس التركي للجزائر بوابة بلاده نحو إفريقيا حيث قال بالحرف الواحد : “نرغب في أن تكون شراكتنا مع الجزائر انطلاقة شراكتنا القوية التي نريد تجسيدها مع افريقيا”.
وثانيها: رغبة تركيا في تحويل الجزائر إلى مصدر حيوي وبارز لاستيراد الطاقة بالنسبة إلى تركيا وخاصة الغاز. وقال في هذا الصدد: “الجزائر بلد صديق وممون آمن للطاقة بالنسبة للاقتصاد التركي”. وترغب تركيا ان تؤمن حاجتها إلى الطاقة خصوصا امام احد أبرز المصادر وهي روسيا التي توجد معها خلافات استراتجية.
وتعاطت الجزائر ببرغماتية وذكاء كبيرين مع زيارة اوردوغان إلى بلادها، فعلى الرغم من الاختلافات الإيدولوجية حيث اوردوغان ينتسب إلى تيار إسلامي ينظر إليه النظام الجزائري بحساسية بالغة، و على الرغم أيضا من التموقع المتعارض في خريطة التحالفات الدولية خصوصا بين المعسكر الشرقي والغربي، و أيضا المواقف اتجاه قضايا عربية مثل دعم تركيا للثورة في سوريا وفي بلدان الربيع العربي، بينما لا تساند الجزائر ذلك، على الرغم من ذلك فقد استطاع الجار الشرقي للمغرب ان يتخلص من تلك الاختلافات ليعزز مكانته الاستراتيجية في المنطقة المغاربية وفي إفريقيا بالنسبة إلى تركيا و هو بلد يحظى بقيمة استراتجية مهمة.
وغاب الحس البرغماتي ذاته لدى السلطة في المغرب بخصوص التعاطي مع زيارة رئيس الوزراء التركي الطيب رجب اردوغان حيث طغت صراعاتها الداخلية الخفية والبارزة في التعاطي مع زيارة مهمة لفاعل دولي صاعد و بارز.