بعد تردد طويل، قبلت الولايات المتحدة ببدء إجراء مفاوضات مع حركة طالبان من أجل إرساء السلام في أفغانستان. ويأتي هذا التغيير في الموقف السياسي ليجعل الكثير من المراقبين والمحللين الدوليين يتساءلون عن الأسباب التي تقود واشنطن الى المفاوضات مع حركة تصنفها بمثابة حركة إرهابية ودخلت معها في حرب كلفت أكثر من 600 مليار دولار الخزينة الأمريكية وعشرات الملايير من الدولارات دول أخرى مثل بريطانيا وفرنسا والمانيا واسبانيا وإيطاليا وكندا.
وتتزامن المفاوضات التي ترغب واشنطن خوضها مع حركة طالبان مع اتفاق دولي حول الترخيص بفتح مقر أو تمثيلية للحركة في قطر، هذه الأخيرة التي تحضر مجددا عبر احتضانها لهذا المكتب في المساهمة في إيجاد حل لمواجهة تركت بصمات قوية على العلاقات الدولية في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.
وكانت واشنطن قد أعلنت عزمها إرسال مبعوث لها الى الدوحة لإجراء محادثات مع ممثلي حركة طالبان هناك. وعالج الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مؤتمر صحفي خلال زيارته الى ألمانيا أمس هذا الملف، ويعتقد أن تكون المصالحة الأفغانية عملية صعبة “لأن أطراف النزاع كانت تقاتل بعضها البعض لفترة طويلة جدا”، واصفا افتتاح مكتب طالبان في الدوحة بأنه خطوة هامة ستساهم في وقف العنف بالبلاد.
ولا يمكن فصل قرار الولايات المتحدة بالتفاوض مع طالبان عن عوامل رئيسية أبرزها:
-رغبة الولايات المتحدة تقليل وجودها العسكري في أفغانستان بشكل كبير للغاية مع نهاية السنة المقبلة بعدما تواجد بدأ بعد تفجيرات 11 سبتمبر، حيث كلفتها هذه الحرب 600 مليار دولار وقرابة ثلاثة آلاف قتيل، ولم تحقق أهدافها في القضاء على حركة طالبان.
-في الوقت نفسه، التوجه الجديد للولايات المتحدة الذي أعلنه عنه باراك أوباما الشهر الماضي بوضع حد للحرب ضد الإرهاب في شكلها الحالي، لتجاوز شعور يسود في العالم العربي أن هذه الحرب تجاوزت حدود مواجهة الإرهاب الى ملفات أبعد منها محاربة الإسلام. ولهذا شدد أوباما في خطاب هام له الشهر الماضي أن هذه الحرب ليست ضد الإسلام. وقال أوباما في ذلك الخطاب “هذه الحرب، مثل باقي الحروب، يجب أن تنتهي. هذا ما ينصح به التاريخ وهذا ما تطالب به الديمقراطية”.
-التغيير الحاصل في الأجندة الدولية لواشنطن بتغيير وجهتها نحو المحيط الهادي الذي يزداد ثقلا استراتيجيا بسبب الهند والصين، وبالتالي فهي مطالبة بالإسراع بإغلاق الملفات الكلاسيكية.
-قرار الدول الغربية ببدء سحب قواتها من أفغانتسان ومنها فرنسا والمانيا بعدما لم يعد مواطنو هذه الدول الاستمرار في حرب كشفت عن فشلها في القضاء على طالبان.
ولم يجد البيت الأبيض صعوبة في إقناع الرأي العام الأمريكي بهذه الخطوة، فمن جهة هناك الأزمة الاقتصادية التي تجعل المواطن الأمريكي ينكب مجددا على الشأن الداخلي، ومن جهة أخرى، رغبة المواطن الأمريكي في إغلاق ملف الحروب التي أنهكته خلال العشرين سنة الأخيرة منذ بداية الحرب ضد العراق سنة 2001 حتى الوقت الراهن.