بعد تصريحاته حول الإسلام: هل عوض ماكرون ترامب في إشعال التوتر في العلاقات الدولية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون/AFP
بينما العالم يتابع الانتخابات الأمريكية وجزء كبير منه يتمنى رحيل الرئيس دونالد ترامب نظرا للتوتر الذي تسبب فيه في ملفات دولية ومنها المرتبطة بالديانة الإسلامية، فجأة يتحول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى مركز التوتر بسبب مقترحاته غير المناسبة زمنيا وفكريا حول إصلاح الإسلام، ليعيد التوتر الى منطقة حساسة تاريخيا وهي البحر الأبيض المتوسط.

ماكرون يعوض ترامب

وكان الرئيس ترامب قد تسبب في جدل عالمي بعدما قرر منع دخول عدد من الدول الإسلامية الى الولايات المتحدة بمجرد وصوله الى البيت الأبيض منذ أربع سنوات تقريبا،  ولاحقا بسبب تصريحاته المثيرة التي امتدت الى قضايا أخرى. وفي الوقت الذي يسود نوع من الارتياح للاحتمال الكبير بشأن مغادرة ترامب البيت الأبيض في ظل منح استطلاعات الرأي تفوقا بينا للمرشح الديمقراطي جو بايدن، يعوض إيمانويل ماكرون ترامب في الجدل.

وكان الرئيس ماكرون قد فجر جدلا عندما طالب بإصلاح الديانة الإسلامية وألمح بشكل غير مباشر الى مخطط سري حول رغبة المسلمين في السيطرة على فرنسا ثم أوروبا في صمت مما جعله يطرح مخطط محاربة الانفصالية الإسلامية. وفاقمت الأوضاع وزادت من التوتر العملية الإرهابية البشعة التي استهدفت مدرسا في ثانوية صامويل باتي منذ قرابة أسبوعين.

لماذا فرنسا دون باقي الغرب

وترتب عن خطاب ماكرون الذي ألقاه حول ما اعتبره خطر الجماعات الإسلامية في فرنسا ما يلي:

أولا، انفجار جدل قوي وسط المسلمين في الغرب وتساءلهم لماذا فرنسا هي الوحيدة التي تتزعم هذه الحملة دون باقي الدول الأوروبية والغربية عموما. وتعاظم هذا الجدل في ظل أخذ الدول الأوروبية مسافة من مقترح ماكرون بل أن بعض الدول تعتبر سياسة فرنسا خطئ مقلق مثل بريطانيا التي تسمح بالحجاب حتى في المؤسسات الأمنية والعسكرية.

ثانيا، إعادة الجدل القوي وسط العالم العربي والإسلامي بين الليبراليين واليساريين والإسلاميين حول دور الدين في المجتمع، وأخذ هذه المرة ولاسيما في شبكات التواصل الاجتماعي، في ظل تراجع المثقفين، حربا حقيقية من الاتهامات المتبادلة.

ثالثا، خلق أجواء من التوتر في العلاقات الدولية بعدما اعتبرت عدد من الدول وعلى رأسها تركيا أن فرنسا تستهدف الديانة الإسلامية وليس الإسلام. وتتزعم تركيا هذه الحملة، حيث يختلط السياسي مع العقائدي لاسيما وأن أنقرة ترى في سياسة باريس تجاه الإسلام رد فعل على تقهقر نفوذها في البحر الأبيض المتوسط.

أخطاء ماكرون القاتلة

ومن خلال مختلف التحاليل، يبدو أن فرنسا ارتكبت خطأين قاتلين يجعلها بمثابة دولة تريد إعادة الروح الصليبية للعلاقات الدولية، وتجعل من ماكرون الليبرالي الأوروبي نسخة جديدة من ترامب في وقت سينتظر العالم رحيل هذا الأخير.

ويتجلى الخطأ الأول في التوقيت غير المناسب لطرح إشكالية ممارسات بعض الجمعيات الإسلامية في فرنسا، إذ أنه في الوقت الذي تراجع التوتر في العلاقات الدولية بسبب الوباء العالمي فيروس كورونا وتراجع الإرهاب المرتبط بما هو ديني، فجأة، تحاول فرنسا جر أوروبا والعالم الإسلامي الى توتر غير مبرر.

ويتمثل الخطأ الثاني فيما اعتبرته الواشنطن بوست في مقال لها بالتطرف في تطبيق العلمانية الى مستوى العنصرية، وهو ما يخالف حتى قانون العلمانية سنة 1905 الذي ينص على عدم دعم الدولة لأي دين ولكن ليس تشويهه، كما يحدث حاليا مع الإسلام، وفق الواشنطن بوست بل وسياسيين فرنسيين خاصة من اليسار. وارتباطا بهذا، فقد حاول ماكرون تحرير ما يسمى “الإسلام الفرنسي” من هيمنة الدول الأجنبية وخاصة تركيا والمغرب والجزائر ولكنه في آخر المطاف لم يكن ذكيا وفجر موجة من  الغضب عندما قال “الإسلام في أزمة”.

غياب خبراء في باريس

رغم علمانيتها، كانت فرنسا خلال العقود الأخيرة جسرا للتفاهم الثقافي والديني في البحر الأبيض المتوسط، وساهمت في مبادرات كثيرة  بين السياسيين والمثقفين ولعبت دورا رئيسيا في مبادرات مثل مسلسل برشلونة الذي تحول الى الاتحاد المتوسطي.  ويعود هذا إلى علاقة سياسييها بالعالم العربي مثل الرئيس شارل ديغول أو الرئيس جاك شيراك علاوة على جيش من المفكرين والكتاب والإعلاميين لهم خبرة في العالم العربي.

لكن خبرة باريس في العالم العربي تراجعت مع الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي الذي استقدم الى مختلف القطاعات مثل الدبلوماسية والاستخبارات  تقنيين بدل خبراء، وارتفعت هذا الظاهرة مع الرئيس الحالي ماكرون. وكانت ساركوزي قد اعترف بنفسه بالفشل في التكهن بـاندلاع الربيع العربي، والآن يتحدث الفرنسيون عن الفشل في مخاطبة العالم الإسلامي بعد الخلط الذي وقع فيه ماكرون بعدم الفصل بين وضع حد لممارسات جمعيات إسلامية تتناقض والقوانين الفرنسية مع إصلاح ديانة.

Sign In

Reset Your Password