لم يعد الفوز بكأس العالم لكرة القدم مستحيلا بل تحديا صعبا، هذا هو الشعور القوي لدى فئات كبيرة من المغاربة بعد عملية تأهل المنتخب المغربي يوم الثلاثاء من الأسبوع الجاري على حساب إسبانيا، وذلك في ليلة شهدت رفع الأعلام المغربية في عشرات المدن في العالم احتفالا بالنصر ومعها العلم الفلسطيني. فوز يحمل تأويلات كثيرة تفوق الرياضي نحو السياسي والاجتماعي نحو الحديث عن كفاءات الوطن.
“يوم تاريخي” من التعابير التي رددها المواطنون المغاربة والكثير من العرب بعدما أصبح المغرب أول بلد عربي يتأهل لربع النهاية بعد الانتصار في ضربات الترجيح على الجار الشمالي الإسباني. وخرجت تظاهرات ليس في المغرب والعالم العربي بل في مختلف العواصم والمدن في الغرب حيث تفيد التقديرات الأولية التي استقتها جريدة القدس العربي من مختلف نشطاء الجالية المغربية بخروج عشرات الآلاف.
وتصدرت باريس ومدريد هذه التظاهرات عددا. فقد نزل عشرات الآلاف الى قلب العاصمة الفرنسية ثم مدن أخرى مثل أمستردام وروتردام وبروكسيل وروما بل ومن قلب تايم سكوير في نيويورك. وتركزت الأنظار على إسبانيا لاسيما بعدما هدد متطرفون باحتلال الساحات العمومية لمنع المغاربة من الاحتفال، الأمر الذي لم يحدث. فقد خرج المغاربة في أكثر من عشرين مدينة إسبانية مثل العاصمة مدريد وبرشلونة وإشبيلية وغرناطة وألمرية بل حتى في المدينة الصغيرة الأندلسية إيخيدو معقل اليمين المتطرف فوكس، غير أن اللافت هو خروج مئات المغاربة في كل من سبتة ومليلية المحتلتين للتلويح بالعلم المغربي والتصفيق للمنتخب. وهذه أول مرة منذ عقود، إن لم يكن أول مرة في التاريخ، يرفرف فيها العلم المغربي في المدينتين وبهذه الكثافة.
وإلى جانب العلم الوطني، حمل المغاربة في أكثر من تظاهرة العلم الأمازيغي وكذلك العلم الفلسطيني لاسيما بعدما حمل لاعبو المنتخب الأعلام الثلاثة في الملعب بعد الفوز على إسبانيا، والتقطوا صورة تاريخية وسط الملعب بالعلم المغربي والفلسطيني، الأمر الذي زاد من توهج المنتخب الوطني في كل العالم العربي من العراق الى الجزائر مرورا بفلسطين.
ومغربيا، يخلف هذا الانتصار ردود فعل تتجاوز الاحتفالي الوطني المجرد الى طرح قضايا تهم الوطن، فقد ارتفع أكثر من صوت من نشطاء حقوقيين وصحفيين ومنهم حميد المهداوي الذي نشر شريط فيديو حقق عشرات الآلاف من زيارات في ساعات محدودة، وقال “لكي تكتمل الفرحة يجب الإفراج عن المعتقلين السياسيين” في إشارة الى نشطاء الريف والصحفيين المعتقلين.
وكتب الإعلامي رشيد البلغيتي في تعليق سياسي في الفايسبوك أن “كرة القدم هي القطاع الوحيد الذي بقي يعتمد على الكفاءات الحقيقية بعيدا عن الوساطات الفاسدة”، واستعرض الحياة القاسية لعائلات بعض اللاعبين قبل بلوغ قمة المجد الكروي مثل عائلة أشرف حكيمي وحكيم زياش.
وفي الإطار نفسه، كتب المفكر المغربي محمد الناجي في الفايسبوك “فوز المنتخب المغربي يعد درسا كبيرا للنخبة المهيمنة، المغرب يتألق في كرة القدم على المستوى الدولي بفضل شعبه، إذا أتيحت الفرصة لهذا الشعب سيتألق في الكثير من القطاعات”.
وكان الشعب المغربي يلتف دائما حول المنتخب المغربي ورياضييه مثل سعيد عويطة ونوال المتوكل ونور الدين الكروج وإبراهيم بوطيب (فائزون بالذهب الأولمبي في ألعاب القوى) إلا أن الالتفاف هذه المرة تضاعف بعدما نجح الشعب في تغيير المدرب واستقدام وليد الركراكي وفرض عودة لاعبين مثل زياش وحمد الله والنتائج الكبيرة التي حققها حتى الآن. وهذا الالتفاف القوي، والانتصار على كبريات المنتخبات مثل بلجيكا وإسبانيا، وتعاظم الثقة لدى المنتخب المغربي من مباراة إلى أخرى، أصبح المغاربة بل حتى بعض المحللين يعتقدون أن الفوز بكأس العالم لم يعد مستحيلا بل تحديا صعبا يمكن خوضه.