بعد ارتباط اسمها بالحراك العشريني.. “أرض الدولة” و”العصفور” يجعلان من بني مكادة قبلة للأدباء

الروائي خالد الصلعي وروايته أرض الدولة

تحولت منطقة “بني مكادة” في الأسابيع الماضية قبلة للمثقفين والأدباء والإعلاميين والجمعويين، يمثلون مختلف الطيف المجتمعي لمدينة طنجة، وذلك في سياق صدور مجموعة من الإصدارات في المدة الأخيرة لأبناء المنطقة.

وكان مثيرا لانتباه، العدد الكبير من المثقفين الذين حجوا لحي بني مكادة، لاقتناء نسخ موقعة من كتابها، ومن أبرز الكتب التي نالت حظا كبيرا من الاهتمام، رواية “أرض الدولة، أو إنسان مع وقف التنفيذ”، للكاتب خالد الصلعي، و”العصفور، مروية عن محنة محام سجين”، لصاحبها الحقوقي عبد الله الزيدي، والتي وصلت إلى طبعتها الثالثة في ظرف قياسي.

وارتبطت منطقة بني مكادة، بالعديد من الأحداث الكبرى التي عرفتها مدينة طنجة، آخرها الحراك الشعبي الذي عرفه المغرب سنة 2011، حيث قدمت المنطقة نموذج في الاحتجاج السلمي، بمشاركة كل أطياف المجتمع، مما جعلها تتبوأ مكانة متميزة ضمن خريطة التظاهر بالمغرب.

بني مكادة تاريخ فكر وعلم

وفي هذا السياق، اعتبر الحقوقي عبد الله الزيدي، في تصريح لموقع “لكم”، أن بني مكادة، جزء من تاريخ طنجة وصانعة اعلامها على كل المستويات، سواء على مستوى الإدارة أو على مستوى الطب مستحضرا إنجاز البروفيسور نبيل قنجاع الذي نال جائزة الطب في المغرب، أو على مستوى العلوم والرياضيات والقانون والقضاء والسياسة والتربية والآداب والجغرافيا من امثال بولرباح وبوغابة او على مستوى الرياضة والمحاماة، مشيرا إلى أن الراحل النقيب عبدالسلام البقيوي الذي كان رئيسا لجمعية هيآت المحامين بالمغرب، هو من أبناء بني مكادة، وكذا الفنون التشكيلية كالفنان عبد الرفيع الدكالي وصابر والمرحوم البراق، وغيرهم كثير.

وأوضح المتحدث، أنه ليس من قبيل الصدفة أن يبادر أبناؤها الى الكتابة والابداع وتنال كتاباتهم تقديرا رفيعا واستقبالا شعبيا، مؤكدا على أن بني مكادة تحمل تاريخ كله عوالم ثقافية وفكرية وعلمية.

 

محاولات السلطة

وأبرز الزيدي، في ذات الحديث مع “لكم”، أن السلطة عملت من حيث تريد او لا تريد ان تجعل هذا الحي خلفية طابورية لتفاهاتها، لكن هذا الحي بجذوة مثقفيه وروحة التضامنية أذاقها طيلة سنين منذ الخمسينات على كافة المستويات مرارات قسوى دفعها الى اشهار القمع ولا سلاح غير القمع اتجاه ساكنته.

وأشار صاحب “العصفور”، إلى أن هذا ما جعل مثقفيه ورموزه يلتفون، ليؤكدوا أنهم أوفياء لبني مكادة وتضحياتها، مشيرا إلى أن وعي أبناءها كبير، ويكفي محاورة سائقي سيارات أجرته، وجالسي مقاهيه وتجاره لتقارب عن بعد حسهم النضالي وعلو كرامتهم، وتلك أسرار استمرارهم في تحسس رسالة الأدب وتلمس منعرجاته، وهو يعج بالحياة ويتذوق كل جميل.

 

المروية صرخة ضد الظلم

أكد عبد الله الزيدي، على أن كتاب “العصفور، مروية عن محنة محام سجين”، هو صرخة قوية ضد الظلم والاستبداد من زاوية غاية في الدقة ومليئة بالإيحاءات، وهذا ربما ما ساهم في خلق تميز العصفور واستقباله وتشجيعه بهذا الشكل.

وأضاف العصفور، أن هذه المروية ما كانت لترى النور أمام الإنتاج الوفير لأدب السجون الناتج عن سنوات الجمر والرصاص، مستدركا أن التجربة القاسية لمآلات 20 فبراير والأحلام التي أجهضت، جعلته يراجع موقفه، وازداد احساسه أسى وريبة بعد احداث حراك الريف، والهجمة الشرسة على حرية الرأي والفكر.

وقال الزيدي، انه تأكد له أنه ملزم بعرض تجربته من جهة، لإبراز حجم المعاناة وهولها لأي سبب وبدون مبرر، ومن جهة أخرى لتأكيد حقيقة النضالات التي قدمها جيل لم ينصف وابطال بدون مجد سرقت احلامهم وحولت رمادا.

واعتبر الحقوقي، أن المروية هي بشكل بسيط جزء مما يتعرض محامي الشعب ورسالة المحاماة من ضيم وظلم، ومحنة محام شاب اختار الدفاع عن قضايا الشعب، وكيف يتربص به ولأتفه الأسباب ويساق للسجن لتهجينه وتركيعه، عبر فبركة ملف وادعاء تطاوله وسبه العائلة الملكية، بالافتراء عليه والقول بأنه تعمد ذلك وسوقه للمحاكمة، عن هذه المعاناة وظروف المحاكمة، والسجن تحكي المروية، لذا فالأكيد أن الناس دائما مبهورين بهذا العالم.

 

بني مكادة حمتني

من جانبه، أكد الروائي والشاعر خالد الصلعي، على أن أرض الدولة التي هي جزء من بني مكادة، هي موطنه وتربته، هي جماعته البسيطة التي حمته من تغول النظام ومحاصرته له لسنوات، مشيرا إلى أنه لا زل لحد الآن يجهل سبب كل هذا الهجوم عليه الذي انطلق منذ سنة 1993، (في إشارة إلى طرده من الوظيفة العمومية، وما تلاه من حرمانه من حقه في الدكان بسوق القرب بني مكادة)، معتقدا أن هناك هدنة ما، أو مراجعة للمواقف، وهذا ما يتمناه.

أما بخصوص قراءته لهذه الإصدارات المتتالية لأبناء بني مكادة، قال الصلعي في حديث مع موقع “لكم”، إنه مكر الواقع ومكر التاريخ وسطوع شمس الحقيقة، مؤكدا، “قلناها منذ اليوم الأول لانطلاقة حركة 20 فبراير التي كانت تجربة، لا أقول فاشلة، فهذا وصف مجاني، بل ساذجة”.

وأبرز صاحب رواية أرض الدولة، أن بني مكادة، وأرض الدولة قلبها النابض ارتبطت بكل انتفاضات مدينة طنجة واحتجاجاتها، مضيفا، فكان الرد من السلطات للأسف ردا قاسيا.

ورواية “أرض الدولة، أو إنسان مع وقف التنفيذ”، اعتبرها الصلعي، هي الرواية نفسها لكنها مختصرة، مشيرا إلى أنها على العموم مساءلة، وليست محاكمة للتحولات السوسيو ثقافية للمنطقة، فالمنطقة أيام بساطتها، وبدائيتها، إن جاز التعبير، أنتجت نخبا وعمالقة بصموا منتجات كونية ببصمتهم.

Sign In

Reset Your Password