بعد أفلاطون، اليونان تعود الى الواجهة من الماضي السحيق لتصنع الخريطة السياسية لأوروبا بفضل انتخابات الأحد

يجري الحديث ومنذ قرون عن اليونان بصيغة الماضي بسبب مساهمتها القيمة في الحضارة الإنسانية عبر أسماء مثل هيرودوت وسقراط وأفلاطون وغابت لاحقا عن الأحداث وأصبحت كيانا هامشيا تتقاذفه الإمبراطوريات الأوروبية والعثمانية. وفجأة تقفز الى واجهة الأحداث الدولية لمعرفة من الفائز في الانتخابات التشريعية التي ستجري هذا الأحد 25 يناير: هل الأحزاب الكلاسيكية أم الحزب اليساري الجديد سيريزا بزعامة السياسي الشاب ألكسيس تسيبراس الذي يهدد بشرارة تغيير ستمتد الى كل دول الاتحاد الأوروبي.

وعلى شاكلة الدول الفاشلة سياسية مثل اليمن والصومال، تعتبر اليونان بمقاييس الغرب دولة فاشلة اقتصاديا وماليا لأنها تشهد أسوأ وضع اقتصادي في القارة العجوز بسبب تراكم القروض بشكل لم تشهده أي دولة أوروبية خلال العقود الأخيرة، إذ يبلغ الدين العمومي 177% من الإنتاج القومي للبلاد وتفاقم الفقر وارتفاع البطالة بما يقارب 25%، كما فقد اليونانيون 25% من القدرة الشرائية.

وغياب الاستقرار المالي أدى الى غياب الاستقرار السياسي، وهو ما جعل البلاد تعيش انتخابات مبكرة آخرها التي ستجري هذا الأحد، ولكن هذه المرة تعتبر منعطفا يحمل مستجدات كبرى تتجاوز حدود اليونان الى باقي أوروبا وستؤدي الى فوز الحزب اليساري الاجتماعي “سيريزا” بأغلبية مطلقة.

وهذه الانتخابات تحمل الكثير من الدلالات الكبرى، أولا، تضع “وكأنها تراجيديا إغريقية” حدا للثنائية الحزبية في اليونان بين اليمين المحافظ والحزب الاشتراكي، إذ يتقدم حزب سيريزا الحديث العهد ب 6 نقطة على منافسه الثاني حزب الديمقراطية الجديدة وبنقاط أكبر على الاشتراكيين.

ثانيا، نهاية الثنائية ستنتقل الى دول أوروبية أخرى ومنها اسبانيا التي يتقدم فيها حزب بوديموس الذي يقوده الشاب بابلو إغلسياس، ولا يتعدى تأسيسه عشرة أشهر، ومن المنتظر تكرار الظاهرة في دول أخرى نحو مشهد سياسي أوروبي مغاير وجديد.

ثالثا، رغم الحجم الصغير للاقتصاد اليوناني إلا أن مختلف المؤسسات المالية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي تتخوف من السياسة الاقتصادية التي يحملها الحزب وهي وضع حد لسياسة التقشف التي تفرضها المؤسسات المالية الكبرى  على اليونان منذ سنوات طويلة وتفاقمت ابتداء من 2008 وقضت على الطبقة الوسطى.

وبادر صندوق النقد الدولي الى التخويف من وصول سيريزا الى السلطة في اليونان بسبب الأفكار التي يطرحها، بينما كان البنك المركزي الأوروبي عمليا وأعلن مديره ماريو دراغي شراء شهريا 60 مليار يورو من الديون العامة للدول الأوروبية ما بين مارس المقبل الى سبتمبر 2016 لإنقاذ الاقتصاد الأوروبي. والمثير أن شراء البنك المركزي الأوروبي للديون العامة من مطالب القوى اليسارية، وكانت ترفض في السابق والآن يتم العمل بها بسبب انتخابات اليونان.

ويكتب ألكسيس تسيبراس مقالا يومه السبت في عدد من الجرائد الدولية ومنها لوموند “اليونان مقبلة على التغيير يوم الأحد 25 يناير…ونحن مطالبون بوضع حد للتقشف حفاظا على الديمقراطية وضرورة تغيير القوى التقدمية والديمقراطية أوروبا قبل أن تقوم بذلك الفرنسية ماري لوبين وأنصارها من اليمين المتطرف”.

ويعترف قادة الاتحاد الأوروبي بأن جزء من مستقبل أوروبا رهين بما سيجري هذا الأحد في صناديق الاقتراع في اليونان، وبهذا يكون حزب سيريزا قد أعاد اليونان الى خريطة الأحداث الدولية وانتشلها من الماضي السحيق، وقد يستحق تسيبراس تمثالا في حالة الفوز على شاكلة الأسماء اليونانية الكبرى التي صنعت “المجد الإغريقي”.

Sign In

Reset Your Password