قدم مدير الاستخبارات العسكرية الفرنسية الجنرال إريك فيدود استقالته من المنصب نتيجة فشله في التكهن بوقوع الغزو الروسي ضد أوكرانيا، عكس الاستخبارات البريطانية والفرنسية. وفشلت الاستخبارات الفرنسية مثل عدد من الأوروبية الأخرى مثل الألمانية والإيطالية.
وأوردت جريدة “لوبنيون” الفرنسية الخميس من الأسبوع الجاري خبر الاستقالة الذي هو بمثابة الاعفاء لهذا الجنرال لدى تولى المنصب خلال صيف 2021 وقضى فقط سبعة أشهر كمسؤول أول، ولم يستطع الاستمرار في المنصب بسبب الانتقادات الكثيرة التي تتعرض لها الاستخبارات العسكرية الفرنسية بسبب عدم التكهن بالغزو الروسي. وعادة ما تتولى الاستخبارات العسكرية التي تكون في هرم أجهزة الاستخبارات في كل دولة مسؤولية إعداد التقارير النهائية حول المخاطر التي قد تتعرض لها البلاد أو مصالحها في الخارج.
وأوردت جريدة ليبراسيون خبر الاستقالة التي جاءت بمثابة الاعفاء بسبب عدم رضا هيئة الأركان العسكرية الفرنسية على ضعف دقة التحليل لدى الاستخبارات العسكرية بقيادة الجنرال إريك فيدود. وكان فشل الاستخبارات العسكرية بعدم التكهن بوقوع الحرب قد جاء في تصريحات لرئيس الأركان العسكرية الجنرال تييري بوركارد في تصريحات لجريدة لوموند بداية مارس/آذار الماضي، معترفا أن “الأمريكيين أكدوا في توقعاتهم بأن الغزو سيقع بينما نحن في فرنسا استبعدنا ذلك اعتقادا منا بسبب الكلفة العالية للغزو، وبالتالي لن تقدم روسيا على إعلان الحرب ضد أوكرانيا”.
وترتب عن فشل الاستخبارات العسكرية في التكهن بوقوع الحرب الروسية نبش ملفات أخرى من طرف لجنة الخارجية والدفاع، حيث صرح عضو هذه اللجنة النائب كريستيان كامبو بفشل الاستخبارات العسكرية في عدد من الملفات منها الانقلاب العسكري في مالي خلال مايو الماضي، والذي شكل ضربة لفرنسا بحكم عدم معرفتها بوقوعه رغم أنها تتواجد عسكريا في هذا البلد الأوروبي. كما تناول فشل الاستخبارات العسكرية في التكهن بإنهاء أستراليا صفقة الغواصات الفرنسية والتعاقد مع الولايات المتحدة وبريطانيا خلال أكتوبر الماضي، مما سبب في ضربة لباريس وأزمة شائكة مع واشنطن ولندن. وكانت أستراليا ستشتري غواصات بقيمة تفوق 37 مليار يورو، في أكبر صفقة عسكرية في التاريخ.
وعمليا، لا يعد فشل الجنرال إريك فيدود لوحده بل فشل مستويات متعددة في هذا الجهاز، بسبب ضعف التحليل على جميع المستويات من جمع المعلومات وقراءتها واستخلاص النتائج. ويترتب عن مثل هذا الفشل خلل في اتخاذ القرار بسبب عدم الاستعداد. ومن ضمن الأمثلة، لو كانت الاستخبارات قد انتهت الى نتيجة غزو روسيا أوكرانيا لكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد تبنى سياسة مختلفة. وفي الوقت ذاته، لكان الجيش الفرنسي قد عمل وفق طريقة مختلفة ومنها الرفع من إنتاج الذخيرة الحربية تخوفا من فرضية توسع الحرب.
ولا تعتبر الاستخبارات العسكرية الفرنسية DRM ضمن الاستخبارات الرائدة في مجالها بسبب ضعف العاملين فيها مقارنة مع مصالح فرنسا التي تعد كبيرة في الخارج، إذ لا يتعدى عددهم ألفي شخص، وكذلك بسبب ضعف التخصصات لأن غالبية العاملين فيها ينتمون الى السلك العسكري علاوة على ميزانية ضعيفة بالكاد تصل الى 130 مليون يورو. ومن باب المقارنة، يعمل في الاستخبارات العسكرية الأمريكية Defense Intelligence Agency قرابة 20 ألف شخص، نسبة كبيرة منهم من المدنيين القادمين من تخصصات جامعية ومراكز التفكير الاستراتيجي. وتتوفر روسيا على استخبارات عسكرية معروفة بحروفها اللاتينية GRU وتقوم بدور كبير منذ الحقبة السوفياتية وكان عملها يختلف عن المخابرات الشهيرة كا جي بي. وعادة ما تكون الاستخبارات العسكرية بعيدة عن الأضواء عسك الاستخبارات الكلاسيكية مثل سي أي إيه الأمريكية أو إم إي 6 البريطانية.
ويرى الخبراء أن هذه الحرب التي اعتبرها الكثيرون لأن أجهزة أوروبية أخرى لم تتكهن بها مثل المانيا وإيطاليا، تعيد التركيز على ضرورة تطوير الاستخبارات لأنها ركيزة أساسية في اتخاذ القرارات خاصة إبان الأزمات الكبرى.