ضمن القرارات الهامة التي أصدرها الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب قرار رفع السرية عن ملفات حساسة للغاية مثل اغتيال الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي يوم 22 نوفمبر 1963 في دالاس. وفي حالة تحقيق ذلك سيتم الكشف عن أحد أكبر الألغاز والأسرار السياسية الأمريكية والدولية، مما قد يعرض الدولة العميقة في هذا البلد للإحراج.
وهكذا، نشر البيت الأبيض يوم الخميس 23 يناير الجاري في موقعه الرقمي النص التالي “بموجب السلطة المخولة لي كرئيس بموجب دستور الولايات المتحدة الأمريكية وقوانينها، يؤمر بموجب هذا بما يلي: القسم 1. السياسة والغرض. بعد مرور أكثر من 50 عامًا على اغتيال الرئيس جون كينيدي والسيناتور روبرت كينيدي والقس الدكتور مارتن لوثر كينغ لم تنشر الحكومة الفيدرالية جميع سجلاتها المتعلقة بتلك الأحداث على الجمهور. تستحق عائلاتهم والشعب الأمريكي الشفافية والحقيقة. ومن المصلحة الوطنية أن يتم الإفراج أخيرًا عن جميع السجلات المتعلقة بهذه الاغتيالات دون تأخير”.
ترامب بين لا ثم نعم
القرار يبرز كذلك أن القانون الصادر سنة 1992 يؤكد أن وثائق وسجلات اغتيال الرئيس جون كينيدي يجب الكشف عنها بحلول 26 أكتوبر 2017، باستثناء إذا اعتقد الرئيس أنه يجب التأجيل بسبب ضرر يمكن أن يحدث للدفاع العسكري أو العمليات الاستخباراتية أو إنفاذ القانون أو إدارة العلاقات الخارجية؛ بمعنى أن خطورة الضرر يفوق المصلحة العامة في الكشف”. والمثير أن ترامب الذي كان رئيسا سنة 2017 في ولايته الأولى هو الذي عارض الكشف عن الوثائق الكاملة بشأن اغتيال كينيدي، وكان سلفه جو بايدن قد قرر خلال ولايته التي انتهت منذ عشرة أيام عدم الكشف عن ملف اغتيال كينيدي.
وفي تغيير موقفه يتخذ ترامب الآن قرارا مختلفا متسلحا بضرورة الشفافية. وفي تبريره للخطوة يؤكد “قررت الآن أن استمرار تنقيح وحجب المعلومات من السجلات المتعلقة باغتيال الرئيس جون كينيدي لا يتماشى مع المصلحة العامة وأن الإفراج عن هذه السجلات قد تأخر كثيرًا. وعلى الرغم من أنه لا يوجد قانون صادر عن الكونغرس يوجه بالإفراج عن المعلومات المتعلقة باغتيال السيناتور روبرت كينيدي والقس الدكتور مارتن لوثر كينج الابن، فقد قررت أن الإفراج عن جميع السجلات التي في حوزة الحكومة الفيدرالية المتعلقة بكل من تلك الاغتيالات هو أيضًا في المصلحة العامة”.
وتماشيا مع القرار، يكشف البيت الأبيض أنه في غضون 45 يوماً من تاريخ هذا الأمر، سيقوم مدير الاستخبارات الوطنية والنائب العام، بالتنسيق مع مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي ومستشار الرئيس، بمراجعة السجلات المتعلقة باغتيال السيناتور روبرت كينيدي والقس الدكتور مارتن لوثر كينغ الابن، وتقديم خطة إلى الرئيس للإفراج الكامل والتام عن هذه السجلات.
ملف حساس
ويعتبر هذا الملف من الملفات الحساسة التي يقرر فيها ترامب رفع السرية، بعدما كان قد ضغط خلال سنة 2020 لكي يتم رفع السرية عن ملف آخر حساس وهو ما في حوزة البنتاغون حول “الأطباق الطائرة”، حيث جرى الاعتراف الرسمي لأول مرة بأجسام في فضاء الكرة الأرضية لا أحد يعلم هويتها.
ونُسبت عملية الاغتيال رسميًا إلى لي هارفي أوزوالد، وهو جندي سابق متعاطف مع الاتحاد السوفياتي وقتها، لكن حجم عملية الاغتيال ثم اغتيال أوزوالد على يد عضو العصابات جاك روبي الذي بدوره تعرض للاغتيال، فاقم كل أنواع نظريات المؤامرة. ومن ضمن نظريات المؤامرة تورط المخابرات الأمريكية والمؤسسة العسكرية في عملية الاغتيال لأنه كينيدي كان يقدم تنازلات للاتحاد السوفياتي. ونقلت مجلة نيوزويك في موقعها الرقمي منذ يومين أن الصحفي السابق في الواشنطن بوست وخبير في وثائق اغتيال كينيدي، جيفرسون مورلي يرى ”لم تعد الرواية الرسمية حول أسباب وفاة جون كينيدي ذات مصداقية، هذا إن كانت لها مصداقية في أي وقت مضى”. ويأمل أن تتضح الحقيقة في اغتيال كينيدي. ويرى 70% من الأمريكيين، وفق استطلاع للرأي نشرته إن بي سي نيوز خلال ديسمبر 2022، ضرورة الكشف عن الحقيقة. وحول هذه النقطة يبرز غالبية الخبراء أن استمرار السرية بعد مرور أكثر من 60 سنة على الاغتيال يدفع الى الشك والريبة حول الحقيقة الكاملة لعملية الاغتيال.
ومن شأن الكشف عن ملفات الاغتيال خاصة في حالة كينيدي وضع الدولة العميقة في موقف حرج في حالة تورط الاستخبارات والجيش في الاغتيال. ولهذا تضمن قرار ترامب في آخر فقرة من القرار أنه لن يترتب عن الكشف عن الحقائق الواردة في الملفات أي ملاحقات قانونية ضد الولايات المتحدة ووكالاتها وموظفيها.