قاطع عدد من دول أمريكا الجنوبية حضور القمة الإيبيروأمريكية التي احتضنتها المكسيك هذا الأسبوع. وتزعمت البرازيل المقاطعة لأنها تعتبر هذا التجمع على شاكلة الفرنكفونية أو رابطة دول الكومنولث يقوم على خلفيات استعمارية. وبينما ينتعش هذا الفكر في أمريكا الجنوبية لا يجد فضاء له في منطقة المغربي العربي-الأمازيغي.
وقاطعت دول كبرى في أمريكا اللاتينية القمة وعلى رأسها البرازيل والأرجنتين وفنزويلا وبوليفيا، مؤكدة على عدم جدواها سياسيا واستراتيجيا. وهذه المقاطعة حكمت بعدم النجاح على القمة.
وظهرت رابطة دول الإيبيروأمريكية، وهي الناطقة بالإسبانية والبرتغالية سنة 1991 في المكسيك، ووقفت وراءها إسبانيا بدعم مالي ودبلوماسي قوي. وارتكزت على ما يسمى بالروابط المتينة المتمثلة في اللغة والتاريخ المشترك، حيث كانت اسبانيا قوة استعمارية في أمريكا اللاتينية. ولقيت ترحيبا في البدء خاصة وأن دول العالم الناطق بالإسبانية والبرتغالية كانت تبحث لنفسها على تكتل قوي.
واعتبرت إسبانيا في هذه القمة رهانا استراتيجيا على شاكلة دول الكومنويلث التي تتزعمها بريطانيا أو الفرنكفونية التي تقف وراءها فرنسا وعقدت قمتها هذه الأيام في العاصمة السينغالية دكار. وتعاظم رهان إسبانيا على تجمع إيبيروأمريكا مع رئاسة خوسي ماريا أثنار (1996-2004) الذي كان يعتقد بضرورة تولي اسبانيا عضوية دائمة في مجلس الأمن لتمثيل مصالح اللاتينيين في العالم.
ولم تنجح مشاريع إسبانيا السياسية، وفي الوقت ذاته، بدأت القمة تفقد الكثير من بريقها وقد يتم إلغاؤها مستقبلا. وتكتب جريدة الباييس أن البرازيل لا تهتم بهذه القمة بل تراهن على قمة «أوناسور» وهي تجمع دول أمريكا الجنوبية. فالبرازيل تعتبر قوة اقتصادية وعسكرية إقليمية في المنطقة وترغب في الريادة والزعامة ليس في تجمع مثل إيبيروأمريكا تسيره المكسيك وإسبانيا. وترى البرازيل في تجمع أوناسور دعامة أساسية لها في تجمع البريكس الذي يضم علاوة على البرازيل، كل من الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا.
وتتبنى دول مثل فنزويلا وبوليفيا والأرجنتين أطروحة البرازيل، وهي دول كبرى في المنطقة، وتراهن على آليات وحدة مستقلة بعيدة عن الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة، وتدافع عن القمة الأوروبية –أمريكا اللاتينية، أي تجمع مع تجمع. ومما يساعد على هذه السياسة، ارتفاع الوعي السياسي في أمريكا اللاتينية، حيث تدافع النخبة والأحزاب السياسية عن المبادرات السياسية المستقلة.
وتدافع النخبة اليسارية والتقدمية في أمريكا اللاتينية على وضع حد لمثل هذه التجمعات مثل إيبيروأمريكا والفرنكفونية والكومنويلث لأنها قائمة على خلفيات استعمارية محضة من طرف دول كانت قوى استعمارية خلال الثلاثة قرون الأخيرة مثل إسبانيا وبريطانيا وفرنسا.
وهذا التفكير المتقدم في دول أمريكا اللاتينية وخاصة وسط مثقفيها يعتبر جنينيا في العالم العربي وخاصة منطقة المغرب العربي المرتبطة بالفرنكفونية، حيث لا يوجد خطاب مناهض للفرنكفونية. ولم تنجح الطبقة التقدمية التي ترفع شعار التحرر في بلورة مفاهيم قوية لمواجهة ما اصبح يقترب من الإديولوجية “الفرنكفونية” خاصة بعدما تورط عدد من الباحثين في دراسات تحمل اسم “ما بعد الكولونيالية”.