بإعلانه «القبة الذهبية» لمواجهة الصين وروسيا ترامب ينقل الحروب البشرية إلى الفضاء

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوقع على القبة الذهبية يوم 20 مايو 2025

تتنوع مجالات المواجهة بين الصين والولايات المتحدة، وانتقلت إلى المواجهة الفضائية عبر اعتماد واشنطن نظام «القبة الذهبية» الذي يعتبر حلقة ثانية في حرب النجوم أو الدرع الصاروخي المعتمد منذ عشرين سنة. وهناك شكوك حول جدوى هذا النظام الدفاعي أمام التطور الصاروخي لكل من بكين وموسكو، لاسيما مرحلة الصواريخ فرط صوتية التي يصعب اعتراض البعض منها.
وعمليا، ما زالت روسيا هي الند العسكري للولايات المتحدة وأكبر خطر عليها، لكن خبراء واشنطن يعتقدون أن الخطر الروسي سيتراجع في ظرف عقد واحد وستصبح الصين الند والمنافس والخطر العسكري الحقيقي على الأمن القومي الأمريكي. ولهذا، يتمحور التركيز والتخطيط العسكري الأمريكي منذ بداية العقد الماضي على ضرورة احتواء الصين عسكريا، وتتجلى هذه الاستراتيجية فيما يلي:
أولا، إعادة الانتشار الأمريكي في العالم والتركيز على منطقة الهادي-الهندي التي تعتبر الفضاء الجيوسياسي الحيوي للصين ولعالم الغد، وذلك لمنع توسع النفوذ الصيني وكذلك لاستقطاب دول مثل الفلبين ضد بكين ومنع تحالفات استراتيجية للصين مع أندونيسيا وماليزيا.
وثانيا، وضع سيناريوهات دفاع تتماشى والتطور العسكري الصيني سواء التقليدي منه على مستوى أسلحة الطيران مثل المقاتلات والطائرات المسيرة أو الانتشار في البحار، ثم التطور الخاص بالقوة النارية المرتبطة بالصواريخ ومنها الفرط صوتية.
وارتباطا بالنقطة الأخيرة، فقد كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال بداية الأسبوع الجاري عن مشروع عسكري ضخم للدفاع الصاروخي يحمل اسم «القبة الذهبية»، وقد أُعلن عن المشروع بميزانية مخططة تبلغ حوالي 175 مليار دولار وهدف أن يكون جاهزاً للعمل بشكل كامل بحلول نهاية رئاسة ترامب في أوائل عام 2029. وعمليا، يبدو أنه مستوحى من تجربة الكيان الإسرائيلي «القبة الحديدية» غير أنها أكثر توسعا وتقدما من الناحية التكنولوجية. ووفق المعطيات العسكرية المتوفرة حتى الآن، يتجلى هذا المشروع في: القبة الذهبية وهي درع دفاع صاروخي مكون أو متعدد الطبقات الدفاعية يرمي إلى حماية الأراضي الأمريكية بالكامل من مختلف التهديدات الناتجة عن الصواريخ بعيدة المدى، سواء تلك التي يتم إطلاقها من دول بعيدة مثل الصين أو كوريا الشمالية أو روسيا، أو تلك التي يتم إطلاقها من الفضاء بحكم بدء عسكرة الفضاء. ويعني مفهوم متعدد الطبقات هو أن هذه الصواريخ قد يتم اعتراضها في المهد بمعنى ضربها من الفضاء وهي في محطاتها الأرضية، ثم اعتراضها وتدميرها خلال التحليق الأولي أو المبكر، وكذلك في منتصف المسار في الأجواء بما فيها خارج المسار الأرضي، وأخيرا اعتراضها في الأجواء الأمريكية إذا نجحت في اختراق وتجاوز كل الطبقات الأخرى. وهذا التصور شبيه بالحروب البرية حيث تكون خطوط الدفاع أكثر من ثلاثة لمنع الاختراق.

من حرب النجوم إلى القبة الذهبية

ولتطبيق هذا البرنامج، فقد تم تعيين الجنرال مايكل غيتلين من قوات الفضاء الأمريكية مديرًا للبرنامج للإشراف على تطوير القبة الذهبية. وتوجد شكوك كبيرة بأن سنة 2029 لن يكون المشروع جاهزا وقد يستغرق وقتاً أطول، لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار الفارق مع المشروع الإسرائيلي. هذا الأخير يغطي مساحة جغرافية تقل 400 مرة عن الولايات المتحدة، كما أنه مخصص في الوقت الراهن لمواجهة صواريخ حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية وحركات تفتقر لصواريخ متطورة مقارنة مع الدول الكبرى، بينما تتولى الولايات المتحدة عموما مواجهة الصواريخ التي يقصف بها الحوثيون الكيان. وتولى البنتاغون كذلك رفقة باقي الدول الغربية مثل فرنسا وبريطانيا الصواريخ الإيرانية عندما قصفت الكيان السنة الماضية خلال تطورات طوفان الأقصى.
وتعتبر القبة الذهبية مرحلة متطورة من الدرع الصاروخي الذي طرحه الرئيس الراحل رونالد ريغان في الثمانينات واشتهر بـ «حرب النجوم»، وجرى تطبيقه في العقد الأول من القرن الجاري عندما تم تمركز قواعد بين برية وبحرية (سفن متمركزة في موانئ) في رومانيا وبولندا وإسبانيا لاعتراض الصواريخ التي قد تأتي من دول عدوة. وقالت الإدارة الأمريكية وقتها إن البرنامج موجه ضد كوريا الشمالية وإيران. وترتكز القبة الذهبية على القوات الفضائية الأمريكية التي أمر بإنشائها الرئيس ترامب إبان ولايته الأولى 2017-2021، وتأسست رسمياً في 20 كانون الأول/ديسمبر 2019 كخدمة عسكرية مستقلة داخل وزارة القوات الجوية. وعموما، هي أحدث فرع من فروع القوات المسلحة الأمريكية، وهي مكرسة لتنظيم وتدريب وتجهيز القوات للعمل في مجال الفضاء. وشكل ظهور هذه القوات الفضائية منعطفا في مفهوم الحرب، إذ أصبح الفضاء مجالاً حربياً بامتياز، وذلك إلى جانب البر والبحر والجو والفضاء الإلكتروني-الرقمي. وتعكس هذه القوات الأهمية المتزايدة للفضاء في الأمن القومي الأمريكي. وبالفعل، فقد أصبحت القوات الفضائية ركيزة القبة الذهبية لأن الدور الكبير سيكون للأقمار الاصطناعية في رصد الصواريخ القادمة من الدول التي يفترض أنها عدوة وليس فقط الرادارات الأرضية، كما أن جزءا من أنظمة الدفاع ضد الصواريخ قد تكون متمركزة في الفضاء.
وهناك تشكيك في قدرة الولايات المتحدة على إنشاء القبة الذهبية بالمفهوم الذي تم طرحه بها، لأن عملية إنشاء هذه القبة ليس بالهين وسيتطلب الكثير من الوقت. من جهة أخرى، من الصعب أن تكون فعالة بالشكل الذي يجري تقديمها به، وذلك عائد إلى أن بعض الدول مثل الصين وروسيا بالخصوص سجلا تقدما ملموسا في صناعة الصواريخ فرط صوتية، بينما مختلف أنظمة الدفاع الجوي الأمريكي تبقى قاصرة المفعول نسبيا أمامها. ورغم ذلك، توجد مخاوف بشأن الآثار الجيوسياسية لهذا المشروع الحربي. وقد انتقدت الصين وروسيا هذا المشروع الحربي بسبب زعزعة التوازن الاستراتيجي العالمي.

عسكرة الفضاء

وهكذا، أعربت الصين يوم الأربعاء من الأسبوع الجاري، حسبما قالت ماو نينغ، المتحدثة باسم وزارة الخارجية، عن «قلقها الشديد» بشأن المشروع الأمريكي المضاد للصواريخ نفسه، وحثت واشنطن على وقف تطويره. وأبرزت أن مشروع القبة الذهبية له «آثار هجومية قوية» ويثير مخاطر عسكرة الفضاء الخارجي وسباق تسلح جديد. ومن جانبه، وصف نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف الخميس من الأسبوع الجاري، حسبما ذكرت وكالة «تاس» الروسية، مشروع القبة الذهبية الدفاعي الأمريكي بأنه مصدر قلق بالغ، لكنه استبعد أن يشكل تهديدًا مقلقًا.
في غضون ذلك، تعكس هذه القفزة النوعية في توظيف تكنولوجيا الدفاع التوتر المتزايد بين القوى الكبرى في العالم، التحديات التي تواجه الاستقرار العالمي في سياق سباق تسلح متزايد التعقيد الذي يشمل الفضاء هذه المرة. وبهذا، ستكون الحروب البشرية قد دخلت مرحلة جديدة، حيث لم تعد مقتصرة على الجو والبحر والبر وإنما حتى الفضاء. وخلال الحرب الروسية-الأوكرانية، شهد العالم فصلا من الحرب الفضائية عندما قامت القوات الفضائية الروسية بالتشويش على الأقمار الاصطناعية ستارلينك لإلون ماسك التي كانت تقدم خدمة الإنترنت للجيش الأوكراني. وتبرز التقارير حول حرب الفضاء أن بكين وموسكو سيردان على القبة الذهبية بالتخطيط لضرب الأقمار الاصطناعية الأمريكية في حالة نشوب نزاع، وذلك لإبطال مفعول هذه القبة.

Sign In

Reset Your Password