انعكاس استفتاء كتالونيا على العلاقات المغربية-الإسبانية ونزاع الصحراء وموقف البوليساريو

رئيس حكومة كتالونيا أرثور ماس الذي أعلن أمس الاستفتاء في صورة سابقة خلال استقباله رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران في برشلونة سنة 2012

لم يعد استفتاء تقرير المصير في إقليم كتالونيا  للبقاء أو الانفصال عن اسبانيا فكرة سوريالية بل أصبح واقعا مفروضا بعد قرار حكومة الحكم الذاتي في هذا الاقليم بزعامة أرثور ماس ودعم من الأحزاب القومية تنظيم استفتاء يوم 9 نوفمبر المقبل. والقرار يحمل انعكاسات جيوسياسية تهم اسبانيا والمغرب في علاقته بنزاع الصحراء والعلاقات الثنائية مع مدريد علاوة على امتداده الى فرنسا والاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي.

وكان عدد من السياسيين والمحللين الكلاسيين يعتقدون أن كتالونيا لن تغامر بإعلان تقرير المصير، وتفاجأوا بالإعلان رسميا عن استفتاء تقرير المصير يوم 12 ديسمبر الجاري. والآن بدأ المشككون يعتقدون في وقوع اي شيء بما في ذلك انفصال كتالونيا. ويعتبر الاعلان منعطفا يؤكد حركية التاريخ. ويترتب عن القرار انعكاسات جيوسياسية تمس اسبانيا ومحيطها الاقليمي بما في ذلك المغرب. ومن أهم هذه التغييرات:

وحدة اسبانيا أمام خطر انتعاش القوميات

تبرز افتتاحيات الصحف الإسبانية والتحاليل السياسية الصادرة يوم 13 ديسمبر  أن إعلان كتالونيا تقرير المصير ضد الدستور الإسباني يدخل البلاد في جو من التوتر السياسي وغياب الثقة بدأ يلقي بانعكاساته السلبية على مستقبل اسبانيا. ويبقى إعلان تقرير المصير في حد ذاته انفصالا رمزيا وينعش باقي القوميات ومنها الباسكية، حيث قررت حكومة هذا الاقليم تنظيم استفتاء تقرير المصير في ظرف سنتين.

ولا تقتصر ردود الفعل فقط على الطبقة السياسية والرأي العام عبر الإعلام، بل هناك تساؤلات حول موقف المؤسسة العسكرية ذات الحساسية من القوميات، وسبق لقادة بعض الجيش أن حذورا من مغامرات تمس الوحدة الوطنية.

وفي حالة انفصال كتالونيا، فإسبانيا ستفقد 7% من مساحتها، وقرابة 8% من السكان وأكثر من 20% من الناتج القومي الإجمالي سنويا. وهذا سيضعف اسبانيا اقتصاديا وسكانيا في وقت يعيش فيه العالم تغييرات جوهرية في الوقت الراهن. وستكون الخسارة أكبر في حالة انتقال العدوى الى منطقة بلد الباسك.

 استفتاء كتالونيا يحرج المغرب

لا يهتم المؤرخون المغاربة بالدور الكبير الذي مارسته اسبانيا على تاريخ المغرب، على الرغم من أن التطورات الكبرى التي يشهدها هذا البلد الأوروبي تمتد مباشرة الى المغرب لاسيما في الوقت الراهن حيث توجد أجندة سياسية مشتركة مفروضة بحكم الواقع والجوار الجغرافي والتاريخ المشترك.

وأول هذه الانعكاسات ستكون حول الصحراء المغربية، إذ سيجد المغرب نفسه في وضع حرج أكثر من الوقت الراهن. وستكون الحجة لدى الكثير من أنصار تقرير المصير وسط المنتظم الدولي وهو: كيف يمكن قبول استفتاء تقرير المصير في اسكوتلندا وكتالونيا، وهما منطقتان غير  مسجلتان في لجنة تصفية الاستعمار في الأمم المتحدة بينما يتم رفضه في نزاع الصحراء.

وهذا المستجد يجعل المغرب في موقف حرج كذلك بالنسبة لنوعية العلاقات التي يجب ربطها مستقبلا مع حكومات الحكم الذاتي لاسيما كتالونيا التي تعتبر أكبر  إقليم اسبانيا يصدر ويستورد من المغرب. وكان الملك محمد السادس قد أخذ مسافة من رئيس الحكومة الكتالانية أرثور ماس وتجنب استقباله خلال زيارته الى المغرب منذ سنتين.

وتمتد الانعكاسات على المدى المتوسط والبعيد والتي لا يمكن الاستهانة بها، وتتجلى أساسا في تأثير ما يجري في كتالونيا على منطقة الريف ونشطاء الأمازيغية الشمالية لاسيما وأن العديد منهم لهم ارتباطات بالأحزاب الكتالانية على مستوى الانتماء بالنسبة للذين يعيشون في هذا الإقليم أو مشاريع التعاون. ومن ضمن الأحزاب الموقعة على بيان الاستفتاء يوجد الحزب الجممهوري الكتالاني الذي تولى تدريس الأمازيغية في كتالونيا وتقديم مقترح تعويض الريفيين عن آثار استعمال الغازات السامة.

رهان جبهة البوليساريو

يضع إعلان استفتاء إقليم كتالونيا البوليساريو في موقف حرج للغاية وينعش نقاشا تعيشه القيادة وممثليها في أوروبا، ويتجلى في الرهان على الحركات القومية في اسبانيا في ظل خيبة الأمل التي تعرضت لها الحركة من الحزبين الكبيرين، الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي. وعمليا، يصب استفتاء تقرير المصير في كتالونيا في صالح البوليساريو بسبب دعم أطروحة الحل القائم على هذا التصور في الصحراء. لكن في الوقت نفسه، تجد البوليساريو نفسها مجبرة على المحافظة على العلاقات مع الدولة المركزية لأنها من المخاطبين الرئيسين لدى الأمم المتحدة في النزاع لطبيعتها كقوة استعمارية في الصحراء حتى سنة 1975.

تأثيرات أخرى

وهناك تأثيرات لما يجري في كتالونيا بسبب الموقف الذي سيتخذه الاتحاد الأوروبي، وهل سيقبل الحلف الأطلسي بكتالونيا ضمن صفوفه  ونوعية العلاقات التي ستجمع كتالونيا مع فرنسا.

في غضون ذلك، يطرح استفتاء كتالونيا تحديات تهم مجموع أوروبا الغربية لأنها لأول مرة تجد نفسها أمام انفصالين، اسكوتلندا وكتالونيا بعدما كانت عمليات الانفصال مقتصرة على أوروبا الشرقية وخاصة بعد تفكك يوغوسلافيا.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password