تشكل نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت يوم 25 مايو قلقا للمغرب بسبب ارتفاع القوى الراديكالية اليسارية وكذلك اليمينية المتطرفة. وهذا القلق يزداد في حالة اسبانيا، فقد حملت معها الانتخابات تراجع الحزبين الكلاسيكيين، الشعبي الحاكم والاشتراكي المعارض وصعود قوى أخرى مثل “بوديموس”، الذي يشكل مفاجأة هذه الانتخابات التي بدأت بقلب الخريطة السياسية في الجارة الشمالية.
حزب “بوديموس” المفاجأة الكبرى في اسبانيا
وتفيد مصادر سياسية في مدريد لألف بوست بإجراء السفير المغربي فاضل بنعيش اتصالات مع قيادة الحزب الاشتراكي المعارض وكذلك مع الحزب الشعبي الحاكم قبل الانتخابات الأوروبية لتبادل الآراء حول رؤية الحزبين للمغرب في هذه الانتخابات وآفاق التعاون. ويعتبر الحزبان مخاطبان للمغرب بسبب تناوبهما على السلطة منذ الانتقال الديمقراطي سنة 1975 والى الوقت الراهن. وهذه اللقاءات هي تقليد دبلوماسي لسفراء المغرب في مدريد.
لكن سفارة المغرب تفاجئت كما تفاجأ الرأي العام الإسباني بتراجع مهول للحزب الشعبي الحاكم (أربعة ملايين صوت) والاشتراكي المعارض (ثلاثة ملايين صوت)، إذ فقدا خمسة ملايين صوت مقارنة مع انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت سنة 2009. وفي حالة المقارنة مع الانتخابات التشريعية لسنة 2011 فقد خسرا قرابة ثمانية ملايين صوت.
وكتبت جريدة الباييس الاثنين الماضي “لو جرى تطبيق نتائج الانتخابات الأوروبية على التشريعية الخاصة بالبرلمان الإسباني، لأصبحت اسبانيا غير قابلة للتسيير الحكومي بسبب تشتت البرلمان”.
ومقابل هذا التراجع، تقدمت الأحزاب الصغيرة مثل اليسار الموحد وحزب “بوديموس” وحزب اتحاد التقدم والديمقراطية، وكل واحد منها تجاوز مليون صوت وتصل جماعة الى أربعة ملايين صوت، وهذا يعادل أصوات الحزب الشعبي الحاكم ويتفوق على الحزب الاشتراكي المعارض.
وتبقى المفاجأة التي تهز الآن اسبانيا هو فوز حزب “بوديموس” الذي يعني “يمكننا” بالمركز الرابع. ونجح هذا الحزب في ظرف وجيز من استغلال ارتفاع الفساد في البلاد وفقدان الأحزاب الكلاسيكية مصداقيتها ليقدم بديلا. ويقول زعيم هذا الحزب بابلو إغلسياس “لسنا حزب سياسيا بمثابة شاهد فقط بل سنحاول الوصول الى السلطة”. واهتمت كبريات الجرائد العالمية مثل نيويورك تايمز بهذا الحزب، معتبرة إياه مؤشرا على التغييرات العميقة التي تشهدها القارة الأوروبية سياسيا.
وتتجلى المفاجأة في كون هذا الحزب الذي يقوده أستاذ جامعي شاب اسمه “بابلو إغلسياس، نجح في تأسيس حزب خلال أربعة أشهر فقط قبل الانتخابات وحصل على خمسة مقاعد في برلمان أوروبا بينما حصل الحزب الشعبي الحاكم على 16 مقعدا. وتتخوف الأحزاب الكلاسيكية من تحوله الى القوة الثالثة أو الثانية في حالة ائتلاف مع باقي قوى اليسار.
وصعود هذا الحزب اليساري الراديكالي، جعل رئيس الحكومة الأسبق فيلبي غونثالث يحذّر من خطر هذه التشكيلات التي قد تحكم البلاد. أما مدير جريدة الموندو السابق بيدرو راميريث، وهو الصحفي الأكثر تأثيرا في اسبانيا فقد قال في تعليقه على نجاح بوديموس “إما الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد أو لننتظر الثورة”.
المغرب أمام خريطة سياسية اسبانية متغيرة
وعالجت ألف بوست في مقال سابق تأثير البرلمان الأوروبي على العلاقات مع المغرب، واعتبرتها مقلقة للغاية في ملفات مثل الزراعة والصحراء والهجرة بسبب ارتفاع قوة الأحزاب الراديكالية والمتطرفة التي سياسيا تؤيد البوليساريو، واقتصاديا، تطالب بنوع من الحماية ضد الواردات الصناعية والزراعية، وهذا ينطبق كذلك على الواردات الزراعية من المغرب.
وفي ارتباط بنتائج الانتخابات الأوروبية ببإسبانيا، فهي تحمل الانعكاسات نفسها على المغرب ووجود انعكاسات أخرى بسبب القرب الجغرافي والعلاقات المرشحة دائما للتوتر بسبب ملفات ترابية واجتماعية معلقة.
وقد تقدمت ثلاثة أحزاب بشكل رئيسي في هذه الانتخابات وهي اليسار الموحد وحزب “بوديموس” وحزب اتحاد التقدم والاشتراكية. كما تقدمت أحزاب أخرى حصلت مثلا على أكثر من 300 ألف صوت ولم تصل الى البرلمان الأوروبي، ولكن هذه النسبة تؤهلها لدخول البرلمان المحلي في حالة إجراء انتخابات مثل حزب فوكس وهو محافظ ييتبنى نسبيا أطروحات اليمين المتطرف، وهو انفصل عن الحزب الشعبي. وحصل حزب الربيع الأوروبي على مقعد بعدما حقق 300 ألف صوت، وهو حزب يساري جديد تأسس منذ شهور.
البرامج الانتخابية لهذه الأحزاب في الانتخابات الأوروبية أو برنامجها الوطني الخاص بإسبانيا يتضمن في علاقته بالمغرب مواقف لا يمكن اعتبارها بالودية نهائيا. فهذه الأحزاب تنادي حكومة مدريد بالاعتراف بما يسمى جمهورية الصحراء وليس فقط دعم تقرير المصير. وفي الوقت ذاته، تنادي بسياسة حمائية حقيقية في مجال الاقتصاد، وتبقى غير متطرفة في مجال الهجرة. وينضاف الى هذه الأحزاب أخرى قومية قوية مثل اليسار الجمهوري الكتالاني والحزب القومي الباسكي التي حصلت بدورها على ثلاثة مقاعد في برلمان أوروبا.
وكيف سيكون التأثير على المغرب؟ التأثير سيكون على مستويين، الأول وهو ارتفاع المبادرات الخاصة بحماية الاقتصاد الإسباني من الصادرات الزراعية المغربية. وتراهن تجمعات المزارعين كثيرا على هذه الأحزاب أكثر من الحزبين الاشتراكي والشعبي. وفي الوقت ذاته، ارتفاع المبادرات الخاصة بالصحراء في ميل حقيقي للبوليساريو.
والمستوى الثاني هو تكرار ما يجري في فرنسا، ففي هذا البلد الأخير بدأ المغرب يفقد مخاطبين وسط الأحزاب السياسية الكبرى مثل الاشتراكي وحزب اتحاد الحركة شعبية، حيث كان الرئيس السابق نيكولا ساركوزي آخر مخاطب حقيقي.
وفي اسبانيا، لم يعد للمغرب مخاطبين واضحين في الأحزاب الكلاسيكية: الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي بحكم التغيير الحاصل في بنيات هذه الأحزاب. وينضاف الى كل هذا، صعود أحزاب جديدة بدأت تغير من الخريطة السياسية الإسبانية، ولا يمتلك المغرب مخاطبين مع هذه الأحزاب بل فقط تجمعه بها علاقات توتر وأبرزها حزب اليسار الموحد وحزب التقدم والاتحاد وحزب اليسار الجمهوري الكتالاني والحزب القومي الباسكي.
ومن خلال إطلالة على المبادرات في الصحراء والصادرات الزراعية وسبتة ومليلية، سنجد اليسار الموحد واتحاد التقدم والوحدة وراء هذه المبادرات، وسوف لن يختلف الأمر في حالة وصول حزب “بوديموس” الى البرلمان الإسبانية خاصة في الصحراء والصادرات الزراعية، علما أنه سيطبق تصوره ومواقفه حول المغرب مسبقا في البرلمان الأوروبي الذي دخله بخمسة مقاعد.
وأكدت الانتخابات الأوروبية في علاقاتها بإسبانيا، التغيير الحاصل في الخريطة السياسية السياسية للجارة الشمالية للمغرب. هذه التغييرات لا تعني تغيير قويا في اللحظة الحالية في العلاقات الثنائية بين البلدين بل تدريجيا ولكن متسارعا.
الأوضاع السياسية للدول الأوروبية ومنها اسبانيا تؤشر على تغييرات سريعة في المواقف والأفكار. وهذا يؤدي الى تغيير في النخب والمؤسسات وطريقة رؤية العلاقات الخارجية. إذ تحل برغماتية جديدة محل البرغماتية القديمة، وبهذا يجد المغرب نفسه أمام تحديات دبلوماسية جديدة بعد انتخابات البرلمان الأوروبي سواء على مستوى القارة الأوروبية أو على مستوى القطر مثل حالة اسبانيا.