أقدم المغرب على رفض تنظيم القمة العربية المقبلة تحت مبررات شتى، وهذا الرفض يعتبر عنوانا من عناوين أعلى مستويات تدهور العالم العربي، الذي كان منذ سنوات مقبلا على منعطف تاريخي بفضل الربيع العربي، لينتقل ومؤقتا إلى حالة من التشرذم الخطيرة في وقت تتبلور فيه خريطة سياسية عالمية جديدة.
وعلى بعد شهر وأسابيع قليلة من احتضان المغرب القمة العربية المقبلة، يصدر البيان نهاية الأسبوع الماضي برفض احتضان القمة. وهذا الرفض يتناقض مع تاريخ المغرب لسببين، الأول وهو، أن احتضان المغرب للقمم العربية كان تقليدا معروفا أيام حقبة الملك الراحل الحسن الثاني، وهو التقليد الذي لا يحضر عند الملك الحالي محمد السادس. ويتجلى التناقض الثاني أنه عندما تتأزم الأوضاع يصبح اللقاء والحوار ضروريا للخروج من المأزق، حيث تتعدد الأمثلة في الوقت الراهن، ومنها القمم التي أجراها الاتحاد الأوروبي لمعالجة التحديات التي كانت تواجهه. وتماشيا مع المنطق السياسي، يجب أن يترتب عن رفض المغرب تنظيم القمة بالمبررات التي جاءت في بيانه تجميد عضويته (من تلقاء نفسه) ولو بشكل مؤقت في الوقت الراهن، وعدم حضور القمة المقبلة حتى يكون منسجما مع نفسه، طالما أن الأوضاع السائدة حاليا لن تتغير خلال بضعة أسابيع أو شهور، وهي المدة التي تفصل عن القمة المقبلة.
ورغم البيان المغربي، الذي يشير إلى حرص الرباط على الوحدة العربية، فلا يمكن استبعاد نجاح التيار السياسي أكثر منه فكريا الذي كان قد أسسه الوزير الأول السابق عبد اللطيف الفيلالي، الداعي إلى ضرورة ترك الجامعة العربية لأنها غير مفيدة للمغرب. ويجد هذا التيار انتعاشة وسط دواليب الدولة، ووسط الحركات الأمازيغية في رد فعلها على المثقفين العرب، الذين ينفون وجود الإثنيات مثل الأمازيغية، ويرون كل شيء بمنظار العروبة. وهذا الموضوع يحتاج إلى مقال مفصل بحكم تحول الأمازيغية إلى فاعل سياسي وثقافي اجتماعي في أجندة العالم العربي، خاصة في منطقة المغرب العربي – الأمازيغي والتشنجات المرتبطة بها حاليا، وإرجاء القمة قد يكون ضربا للوحدة العربية التي لم تحدث حتى الآن، وقد يكون بحجم غياب حقيقي لمفهوم الوحدة. ويعتبر العالم العربي مفارقة تاريخية كبرى في العلاقات الدولية الحديثة، فهو المنطقة التي توفرت لها ومازالت تتوفر أسباب الوحدة، تشترك معظم الشعوب في الدين مع وجود أقليات يهودية ومسيحية. وتشترك بشكل كبير في اللغة العربية، وتشترك في التاريخ، سواء خضوع العالم العربي لامبراطوريات في الماضي وحدت الكثير من بنيانه مثل، الأمويين والعباسيين ثم العثمانيين، مع بعض الاستثناءات مثل المغرب الذي بقي خارج فلك الهيمنة هذه منذ القرن الثاني الهجري. واشترك العالم العربي في الخضوع إلى الاستعمار الأوروبي، الفرنسي والبريطاني والإيطالي والإسباني. كل هذه الأسباب كانت كافية لتخلق وعيا سياسيا واجتماعيا منذ الخمسينيات، تاريخ تحرر الدول العربية وبداية حلم الوحدة العربية.
في الخمسينيات حلم العرب بالوحدة، وفي الخمسينيات حلم الأوروبيون بالوحدة. لكن حلم الوحدة العربية طغت عليه الشعارات الرنانة وغاب عنه عامل حقيقي وهو عامل الديمقراطية. في الخمسينيات بدأ الاتحاد الأوروبي مسيرته عندما كان يسمى السوق الأوروبية المشتركة، أسسته دول ديمقراطية تحترم حرية التعبير ولا تعمد إلى تزييف الإرادة الشعبية، ولا تدعي الحكم بشرع الله، أو أنها خليفة الخالق في الأرض، رغم أن بعض الأحزاب تحمل اسما دينيا مثل الديمقراطية المسيحية أو الحزب الاجتماعي المسيحي. وبدأ نادي أوروبا يفتح أبوابه لكل دولة أصبحت ديمقراطية، وهكذا كان مع اليونان سنة1981 ثم مع إسبانيا والبرتغال سنة 1986، ثم تكرر الأمر مع دول المعسكر الشرقي سابقا مثل بولونيا ودول البلطيق وجمهورية التشيك. وكان من الصعب تصور انضمام إسبانيا إلى الوحدة الأوروبية وهي تحت حكم الجنرال فرانسيسكو فرانكو، كما يصعب تصور انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي الآن، وهي تحت حكم الرئيس طيب رجب أردوغان يتخذ في لحظة غضب قرار إغلاق يوتيوب ويلقي بالصحافيين في السجون أو يمنع حزبا على أسس إثنية.
وتكرر المشهد السياسي نفسه في أمريكا اللاتينية، فقد نجحت حكومات أو شعوب المنطقة في إرساء تجمعات متعددة أبرزها، تجمع «سيلاك» مؤخرا الذي يضم معظم دول القارة باستثناء الولايات المتحدة وكندا، وتم هذا بفضل الانتقال الديمقراطي ورؤساء منتخبين ولم يحدث في عهد ديكتاتوريين مثل الجنرال بينوشيه وفيدل كاسترو. وهكذا، بينما كان الأوروبيون يضعون أسس الوحدة بمشاريع اقتصادية واجتماعية وسياسية، وهم الذين خرجوا من حرب عالمية ثانية طاحنة، كان العالم العربي يؤتث مشهده السياسي بزعماء مثل جمال عبد الناصر وصدام حسين ومعمر القذافي وغاب المشروع الحقيقي الذي هو بناء الديمقراطية.
سيكون للجامعة العربية معنى من الناحية السياسية والوحدة عندما يكون لحكام شعوب الدول المكونة لهذا «التجمع» مصداقية صناديق الاقتراع وتتمتع هذه الشعوب بالكرامة والعيش الكريم في ظل القانون وليس في ظل السيف.
العملية سهلة وتخضع لمنطق الرياضيات: الوحدة الحقيقية في الوقت الراهن تساوي شفافية صناديق الاقتراع + كرامة الشعوب+ حرية التعبير للشعوب + محاسبة الحكام. ومع الأسف لا تتوفر هذه المعادلة الآن في العالم العربي.
الوحدة الحقيقية= شفافية صناديق الاقتراع + كرامة الشعوب+ حرية التعبير للشعوب +محاسبة الحكام
صورة رمزية تسخر من الوحدة العربية