تعيش أوروبا ومنذ الأسبوع الماضي على إيقاع الحملة الانتخابية الخاصة بالبرلمان الأوروبي، وتتزامن مع الأزمة الاقتصادية وأزمة القيم السياسية التي يعاني منها الاتحاد. وترتب عن هذا الوضع انتعاش خطير لخطاب الأحزاب المتطرفة والعنصرية في القارة العجوز. وفي الوقت ذاته، تحمل هذه الانتخابات انعكاسات ذات طابع سلبي للمغرب بحكم ارتفاع خطاب الحماية الاقتصادية وسط أوروبا، حيث سيكون القطاع الزراعي متضررا.
نحو برلمان بأحزاب راديكالية يمينا ويسارا
ويحظى البرلمان الأوروبي بأهمية خاصة، فهو أكبر مؤسسة تشريعية في العالم دول الاتحاد ويجري اختيار الأعضاء في انتخابات مفتوحة وتعتبر قوانين البرلمان ملزمة للدول وكذلك بشأن الاتفاقيات الأوروبية الدولية. ولا تتوفر أي منطقة في العالم على برلمان شبيه، إذ يوجد البرلمان الإفريقي وفي أمريكا اللاتينية، لكنه ليس نتاج انتخابات مباشرة بل تعيينات، لهذا يفتقد للتأثير السياسي في حياة هذه المناطق.
ويوجد في البرلمان الذي انتهت صلاحيته أحزاب متطرفة وتتجمع في “أوروبا الحريات والديمقراطية” وكذلك “تحالف أوروبا للحركات القومية” ولهما 46 نائبا ينتمون الى مختلف الدول وبنسبة 6% من عدد نواب البرلمان. لكن هذه الخريطة مقبلة على التغيير بقوة بسبب ارتفاع الأسهم السياسية للحركات المتطرفة والعنصرية ومنها حركة الجهبة الوطنية في فرنسا بزعامة ماري لوبين التي تعتبر أول قوة في استطلاعات الرأي، حيث تمنحها 25% خلال الانتخابات الأوروبية المرتقبة ليوم 25 مايو الجاري.
وهناك إجماع بين الخبراء ووسط الطبقة السياسية ومقالات الاعلام حول الدور الكبير الذي لعبته الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها منطقة اليورو في ظهرو فئات غاضبة من السياسيين الكلاسيكيين سواء الليبراليين أو الاشتراكيين المعتدلين. ويؤكد إغناسيو رامونيت وهو المدير السابق للمجلة الشهرية المعروفة لوموند دبلوماتيك التي تخصص حيزا لتحليل ظاهرة اليمين القومي المتطرف أن تدهور القيم السياسية وغياب قادة سياسيين لهم كاريزما يفسر ارتفاع اليمين المتطرف.
ويجد هذا التفسير مصداقيته في المحاكمات التي تجري في معظم دول أوروبا لقادة سياسيين بسبب تورطهم في فساد مالي وسياسي. وشمل الأمر رؤساء بلديات ووزراء بل وحتى رؤساء مثلما هو الحال مع محاكمة القضاء الفرنسي للرئيس السابق نيكولا ساركوزي.
وإذا كان حضور أحزاب قومية يمينية متطرفة في البرلمان الأوروبي مقتصر في الماضي فقط على دول محدودة منها هولندا وبلجيكا وبعض دول أوروبا الشرقية، فهذه المرة يختلف الأمر ، فالأحزاب العنصرية ومن أغلب الدول الأوروبية ستكون حاضرة وممثلة.
انعكاسات البرلمان الجديد على المغرب
وأصبح كل ما يجري في أوروبا يمس المغرب بشكل أو آخر. وهذه الانتخابات التي يصوت فيها المغاربة الأوروبيون تحمل انعكاسات سلبية على المغرب. وهذا الانعكاس يتجلى في ارتفاع خطاب الحركات العنصرية التي تطالب بالحد مما تعتبره امتيازات يحصل عليها المهاجرين.
وإذا كانت الانعكاسات على الهجرة كلاسيكية من انتخابات أوروبية ومحلية الى أخرى، فهذه المرة الانعكاسات تتجاوز الهجرة الى المبادلات التجارية ومنها الزراعية أساسا. وتمر العلاقات بين المغرب وأوروبا بأزمة نتيجة قرار المفوضية الأوروبية إعادة النظر في الرسوم الجمركية على الصادرات الزراعية المغربية نحو إلغاء نظام الأفضلية. وتتضرر الزراعة المغربية من هذه السياسة.
وتتميز برامج الأحزاب السياسية على مختلف ألوانها بخطاب سياسي يرمي الى تعزيز نظام الحمائية للتقليل من الواردات ومنها الملف الزراعي. وجعلت بعض الأحزاب في اسبانيا وإيطاليا وفرنسا من الملف الزراعي ركيزة أساسية في خطابها.
وهكذا، سيجد المغرب نفسه ابتداء من نهاية مايو الجاري عندما ستتم الانتخابات أمام برلمان ذو طابع حمائي من الصعب مصادقته على الاتفاقيات الدولية للاتحاد الأوروبي التي تمس مصالح المهنيين ومنها المزارعين.