وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس ليلة الثلاثاء خطابا الى الشعب المغربي بمناسبة عيد ثورة الشعب والملك، وحمل الخطاب انتقادات قوية الى الحكومة الحالية بزعامة عبد الإله بنكيران، وهو ما يجعل الخطاب يتبنى أطروحة المعارضة السياسية بعدما شدد على ملكية تنفيذية في خطاب العرش الأخير.
وركز الملك خطابه على القطاع الأكثر حساسية وحيوية لمستقبل كل الأمم وهو قطاع التعليم. ولم يتردد الملك في الاعتراف بتراجع مستوى التعليم المغربي قائلا “غير أن ما يحز في النفس أن الوضع الحالي للتعليم أصبح أكثر سوءا، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة”.
ومضمون خطاب الملك قوي النقد للحكومة الحالية وتسييرها لقطاع التعليم وإن كان الانتقاد يشمل الفترة الممتدة على عقدين من الزمن منذ حكومة العمراني ومرورا بحكومة الفيلالي ثم اليوسفي وجطو وعباس الفاسي ووصولا الى الحكومة الحالية بزعامة بنكيران.
وهذا النقد يطرح تساؤلات عديدة بل ويجعل الخطاب يسقط في تناقضات نسبية. ولعل التساؤل الأبرز هو كيف يمكن للملك أن يقول في الخطاب “خديمك الأول، لا ينتمي لأي حزب ولا يشارك في أي انتخاب. والحزب الوحيد الذي أنتمي اليه، بكل اعتزاز، ولله الحمد، هو المغرب” وفي الوقت ذاته يقول “وانطلاقا من هذه الاعتبارات، فقد كان على الحكومة الحالية استثمار التراكمات الإيجابية في قطاع التربية والتكوين، باعتباره ورشا مصيريا، يمتد لعدة عقود. ذلك أنه من غير المعقول أن تأتي أي حكومة جديدة بمخطط جديد، خلال كل خمس سنوات، متجاهلة البرامج السابقة علما أنها لن تستطيع تنفيذ مخططها بأكمله، نظرا لقصر مدة انتدابه”.
الملك محمد السادس بتوجيهه نقدا مباشر الى حكومة بنكيران يكون قد وضعه نفسه في خانة المعارضة، ومما يزيد من هذا الإحساس ثناءه على وزارة التعليم التي كان يشرف عليها مسؤول من حزب الأصالة والمعاصرة. وهذا الثناء في الوقت الراهن، وإن كان اعترافا في حالة ما إذا كانت وزارة اخشيشن السابقة قد حققت نتائج ملموسة، يبقى غير مناسبا. ويزداد هذا الإحساس في وقت يتداول فيه الرأي العام المعارضة الشديدة لبعض مستشاري الملك للحكومة الحالية وعلى رأس هؤلاء فؤاد علي الهمة الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لحزب الأصالة والمعاصرة.
ولم يكتفي الملك بتوجيه النقد بل أقدم على تعيين مستشاره عمر عزيمان رئيسا منتذبا للمجلس الأعلى للتعليم، وهو المستشار الذي يفتقد لأبحاث علمية ورؤية استراتيجية لمستقبل المغرب بحكم هيمنة الفكر الإداري على رؤيته والتردد الذي يطبع تصرفاته خوفا من إغضاب الأقوياء في المحيط الملكي. والتساؤل: ألم يكن الأجدر تعيين شخصية معروفة بالبحث العلمي واستشراف آفاق المستقبل بدل مستشار ذو طابع إدراي؟
وبهذا يكون الملك قد تدرج سياسيا من ملكية تنفيذية في خطاب العرش منذ ثلاثة أسابيع، حيث نسب الى نفسه الكثير من الإنجازات وطالب الحكومة بالتحرك، الى ملكية تتبنى خطاب المعارضة بشكل واضح.
وتبقى المفارقة أن الملك يقول دائما أن الحكومة تعمل تحت “توجيهاته السامية”، والمتعارف عليه في الخطاب السياسي المغربي الرسمي هو تداول “حكومة صاحب الجلالة”، فما الذي منع الملك منذ الب\ء من تنبيه الحكومة عندما تخلت عن المخطط الاستعجالي في التعليم؟
وهذا التحول هو النقطة التي ركز عليها الكثير من الفايسبوكيين وأصوات سياسية مثل برلماني العدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي الذي قال أن كلام الملك ليس بالقرآن، وما كتبته فاطمة الإفريقي في جدارها بأنه لا يمكن للملك توجيه مثل هذا النقد للحكومة.
مضمون خطاب الملك سيزيد من نقاش التوجه الحالي للقرارات الملكية بعد حادثة العفو الملكي عن مغتصب الأطفال دانييل غالفان، كما سيزيد الضغط على حزب العدالة والتنمية حيث سترتفع أسهم الصقور المنادين بمواقف واضحة في مواجهة محيط الملك الذين يحملونه هذه التطورات الجديدة.