بدأ ملف الريف يتسبب في مشاكل خارجية للمغرب. والبداية من هولندا حيث استدعت دبلوماسية الرباط السفيرة الهولندية لتقديم احتجاج على تصريحات سفير هذا البلد الهولندي في برلمان بلاده خلال جلسة خاصة بالأحكام القاسية التي صدرت ضد نشطاء الريف.
في هذا الصدد، كشفت عدد من وسائل الاعلام المغربية استدعاء وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة للسفيرة الهولندية المعتمدة في الرباط لاستفسارها حول تصريحات وزير خارجية هولندا ستيف بلوك حول الريف. واعتبر هذه التصريحات تدخلا في الشؤون الداخلية للمغرب، وأبدى بوريطة رفضه لها.
ومن شأن تطورات ملف الريف أن يتسبب في نوع من التوتر في العلاقات بين المغرب وبعض دول الاتحاد الأوروبي بسبب وجود جالية مغربية منحدرة من الريف ذات وزن في البعض من هذه الدول مثل هولندا وبلجيكا.
وتقدم ألف بوست أهم ما جاء في جلسة البرلمان الهولندي حول حراك الريف، وذلك نقلا عن ما جاء في جدار الفايسبوك للناشط الحقوقي جمال كتابي الذي كان حاضرا في الجلسة البرلمانية.
مقدمة:
كما كان منتظرا تم عقد جلسة البرلمان يوم أمس من الثانية إلى الرابعة زوالا. اللقاء جمع لجنة العلاقة الخارجية ووزير الخارجية الهولندي وفريق عمله. جاء هذا اللقاء باقتراح من طرف فعاليات حقوقية وباتفاق مع الحزب الاشتراكي الذي قدم طلب الجلسة بمساندة حزب العمل وحزب D66 والخضر والمسيحيين الديمقراطيين CDA وحزب الليبراليين الحاكم VVD وحزب Denk وحزب الحريةPVV.
وحتى يتم وضع النقاش على السكة الصحيحة وإحاطة الجميع بالموضوع أرسلت شبكة Rif Alert قبل أربعة أسابيع من عقد هذه الجلسة مذكرة حول ما جرى بالريف وجرادة منذ اغتيال محسن فكري. كل الفرق استحسنت هذه المذكرة من بينها ولأول مرة حزبي CDA و VVD. من بين ما تم التركيز عليه في هذه المذكرة هو ضرورة تغيير الإجراءات القانونية تجاه طالبي اللجوء القادمين من الريف لأن المنطقة غير آمنة، فضلا عن الإشارة إلى سياسة الإقصاء والتمييز التي تنهجها الدولة تجاه الريف والتي أدت إلى بروز الحراك في الريف الأوسط والشرقي. المذكرة حاولت تعداد ماترتب عن المقاربة الأمنية من ضحايا. في نفس السياق ( وبطلب ريف أليرت) أرسلت منظمة العفو الدولية رسالة مفصلة حول حراك الريف ونتائج المقاربة الأمنية. اعتبرت المنظمة مرة أخرى أن
معتقلي الحراك هم معتقلي رأي يجب إطلاق سراحهم بدون قيد أو شرط وأن ماتم التوقيع عليه في المخفر كان تحت العنف والتهديد.
كانت هناك العديد من الأسئلة التي تم طرحها على الوزير أهمها: الأحكام، حصار وتنمية الريف، الاعتقالات، طالبي اللجوء من الريف/المغرب، زيارته للمغرب، المتابعات في حق النشطاء هنا، دور هولندا في معالجة هذه الملفات…
الجلسة من حيث التوقيت والشكل:
شاءت الأقدار أن تنعقد هذه الجلسة بعد يومين من إصدار الأحكام القاسية في حق ناصر ورفاقه.
الجلسة كانت مخصصة لمناقشة حراك الريف والصحراء الغربية لكن النقاش انصب أساسا حول الحراك.
افتتحت النائبة اليسارية كارابولوت مداخلتها بتلاوة جزء من كلمة ناصر الزفزافي الموجودة في مقدمة الكتاب ” انتفاض الريف” الذي صدر مؤخرا. الكلمات التي تم تداولها بكثرة خلال الجلسة هي: ناصر الزفزافي، الحراك، الريف، خروقات حقوق الإنسان بالمغرب…
الدفوعات كانت كلها مبنية على معطيات دقيقة بل هناك من قرأ مباشرة من رسالة ريف أليرت أو رسالة منظمة العفو الدولية.
عقد الجلسة في حد ذاتها هو انتصار ديبلوماسي لأحرار الريف والمغرب عموما في الداخل والخارج.
الجلسة من حيث الجوهر:
كل الفرق طرحت أسئلة حارقة حول ما يقع في الريف لمدة مرت عليها سنة، والتي توجت بأحكام جد قاسية وصلت إلى ثلاثة قرون في عكاشة.
النائبة اليسارية كارابولوت أحاطت الوزير بكل المعطيات والتطورات التي شهدها الملف وكما ذكرته بالملتمس الذي اتخذه البرلمان السنة الماضية حول حراك الريف بسبب الخروقات والتعذيب في حق نشطاء الحراك، وهذا يتطلب الاهتمام والمراقبة المستمرة لوضعية حقوق الإنسان هناك.
مسؤول حزب D66 قال أن سقف الأحكام عندنا تصل غالبا إلى 8 سنوات مع جرائم الاغتصاب والقتل. ماذا فعل هؤلاء السيد الوزير ليحاكموا ب 20 سنة سجنا؟؟
مسؤولة حزب العمل كررت طلبها السابق في ضرورة استدعاء السفير المغربي للاحتجاج حول ماوقع وإرسال مراقبين حقوقيين إلى المنطقة، مع تذكيره بمنعهن من زيارة الريف.
مسؤول حزب Denk قال بأنه شاهد بنفسه الحصار العسكري ببلدات الحسيمة خلال زيارته الأخيرة للريف. هذا الوضع يضع مصاعب إضافية أمام حياة المواطنين. لماذا هذا الحصار السيد الوزير في الوقت الذي طالب فيه الزفزافي بمطالب مشروعة وبشكل سلمي؟
مسؤول حزب الخضر طالب الحكومة بدور فعال لإيقاف العقاب الجماعي …
ك السيد الوزير، وهنا يذكره بالندوة الصحفية التي جمعته مع بوريقات في الرباط. مسؤول D66 هذا تكلم بثقة كبيرة وهو يتمتع بتجربة ديلوماسية كبيرة قبل ان يرجع نائبا برلمانيا قضاها في مناطق أكثر توترا في العالم من بينها: باكستان وافغانستان.
مسؤولة حزب العمل كررت طلبها السابق في ضرورة استدعاء السفير المغربي للاحتجاج حول ماوقع وإرسال مراقبين حقوقيين إلى المنطقة، مع تذكيره بمنعهن من زيارة الريف. وسألت الوزير في إمكانية الحصول على لائحة النشطاء المتابعين من طرف المغرب.
مسؤول حزب Denk قال بأنه كان شاهدا بنفسه على الحصار العسكري ببلدات الحسيمة خلال زيارته الأخيرة للريف. هذا الوضع يضع مصاعب إضافية أمام حياة المواطنين. لماذا هذا الحصار السيد الوزير في الوقت الذي طالب فيه الزفزافي بمطالب مشروعة وبشكل سلمي؟
مسؤول حزب الخضر طالب الحكومة بدور فعال لإيقاف العقاب الجماعي الذي يمارس ضد الريف، وطالب بتحويل المساعدات التى تذهب الى الرباط إلى الريف، وأضاف عندما استمعنا في هذه القاعة لمداخلة السيد أحمد الزفزافي الذي بقدر ما كان متفائلا بماقام به ابنه بقدرما كان متشائما حول تطور الأوضاع هناك، وبعد صدور الأحكام فهمنا سر هذا التشاؤم.
إجابات الوزير وجديد السياسة الهولندية بهذا الصدد:
حول الأحكام القاسية:
الوزير قال إن الأحكام عالية جدا ويرى أن المحاكمة لم تنته بعد ويتمنى استدراك الخلل في الاستئناف. الوزير يكتفي بهذا الموقف حاليا في انتظار الأسس التي انبنى عليها الحكم وكذا انتظار موقف الدول الأوربية الأخرى. واعتبر موقف حكومته متقدما بالمقارنة مع مواقف دول الاتحاد الاوربي إلى حد الآن.
حول التعذيب:
الوزير أكد تعرض نشطاء الحراك للتعذيب من خلال اطلاعه على تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة دستورية. وأنه قلق جدا من هذا السلوك الذي يخل بالتزامات المغرب.
اللجوء، متابعة النشطاء والسفر إلى الريف:
بصدد هذه المواضيع يقول الوزير أنه بعد هذه التطورات كلها والتقارير الحقوقية يضع المغرب (الريف خاصة) ضمن البلدان ‘الغير الآمنة’ من خلال نقله من: Groen (أخضر) إلى Geel (أصفر). الوزير يوصي كل من سيسافر إلى المغرب والريف خاصة إلى إعمال الحذر. الوزير يقول ان عدد طالبي اللجوء إلى حدود الى الان منذ انطلاق الحراك وصلت إلى 45 طلب.
حول إمكانية توقيف النشطاء إذا سافروا إلى المغرب فالوزير يقول أنه ناقش هذه النقطة مع وزير الخارجية المغربي أثناء زيارته الأخيرة للمغرب. هذا الأخير قال له ليس هناك مبرر للخوف اذا تم ‘احترام’ القوانين المغربية من طرف “جاليتهم” الموجودة على الأراضي الهولندية، لأن القانون المغربي يعتبرهم مغاربة ولو حصلوا على جنسية أخرى ولذا ينطبق عليهم نفس ما ينطبق على ‘اخوانهم’ بالبلد في مجال حرية التعبير. الوزير اعتبر الخوض في ازدواجية الجنسية مسألة جد معقدة لأن المغرب يطالب ‘بحقوقه’ في معاقبة المهاجرين من أصل مغربي ولو كانوا على الأرض الهولندية…
هذه النقطة كانت كافية لتشعل نقاشا حادا بين الوزير و مسؤولة حزب العمل والحزب الاشتراكي ومسؤول حزب D66 والآخرين. هؤلاء النواب يرفضون بشكل مطلق تدخل المغرب في تحديد سقف حرية التعبير لمواطنين هولنديين من أصل مغربي ولو كانوا يتوفرون على جنسية مزدوجة. هؤلاء النواب اعتبروا الأصل في تحديد سقف حرية التعبير عند هؤلاء هو القانون الهولندي. أحدهم قال بهذا المنطق فالمغرب يريد أن يأخذ هؤلاء المواطنين رهائن عنده وهم في وطنهم هولندا أو في بلد اوربي آخر، بل سيكون تدخلا سافرا في تحديد سقف حرية التعبير هنا.
خلاصة:
مع بداية الاعتقالات تم طرح سؤال على السفير بهولندا وكذا وزير الخارجية المغربي حول إمكانية متابعة النشطاء الذين يعملون على أراضي البلدان الأوربية فكان جوابهم بالنفي وأن عملهم يدخل في إطار حرية التعبير.
لكن مع توالي الأيام رجعت حليمة إلى قاعدتها القديمة.
وزير الخارجية الهولندي هذا سبق له ان قاد بنفسه سنة 2004 لجنة برلمانية للبحث في فشل سياسة الاندماج لمدة ثلاثين سنة. اللجنة وصلت إلى خلاصة أن من بين أسباب فشل سياسة الاندماج للمواطنين من أصل مغربي في هولندا هي اليد الطولى للمغرب من خلال اللإمة والوداديات والتمويلات المشبوهة. نزوع المغرب الى متابعة ومعاقبة النشطاء هنا جعل الاعلام الهولندي يتناول من جديد عودة اليد الطولى للرباط من نافذة الجنسية المزدوجة هذه المرة.
في الاخير، إن طلب انعقاد هذه الجلسة هدفه هو وضع الدولة الهولندية أمام التزاماتها الدولية والإنسانية وخاصة أن طالبي اللجوء منذ انطلاق الحراك في ارتفاع مستمر. ان انعقاد هذه الجلسة المخصصة للحراك هو تكريم وتقدير خاص من طرف نواب هذا البلد لشعب الحراك بقيادة شباب جميل خطف قلب العالم، كما أنه اعتراف بالأطر الحقوقية والحراكية التي تساند حراك الفقراء ومطالبه العادلة والمشروعة.
جمال الكتابي
أمستردام 30 يونيو 2018.