يعيش المغرب جدلا سياسيا حول منع التطبيع مع إسرائيل، وأخذ الموضوع بعدا دوليا بعدما تدخلت جهات يهودية تطالب الملك محمد السادس تجنب كل قانون سينص على منع التطبيع. ويجري هذا في وقت ارتفعت فيه زيارة مغاربة الى سرائيل كما ارتفع فيه التبادل التجاري المعلن في ظل حكومة يرأسها حزب إسلامي شارك فيه أبرز التظاهرات ضد التطبيع.
ورغم وجود طبقة من المثقفين والنشطاء تدعو الى التطبيع مع إسرائيل وتنطلق من ضرورة لعب المغرب دورا في إقامة الدولة الفلسطينية، يتميز الشعب المغربي في عمومه برفض تواجد إسرائيل، وعادة ما تكون التظاهرات المؤدية لفلسطين والمنددة بجرائم إسرائيل الأكبر من نوعها في العالم العربي.
وفي الوقت ذاته، فشلت إسرائيل ومخابراتها في خلق مناخ يتفهم تواجدها رغم أن قرابة ربع سكان إسرائيل هم من اليهود المغاربة ويحافظ الكثير منهم على علاقات مع بلدهم الأصلي.
وينشط المرصد المغربي لمناهضة التطبيع من خلال نشطاء مثل الحقوقي عبد الرحمان بنعمرو والسياسي أحمد ويحمان والمحامي خالد السفياني الذين نجحوا في نقل المعركة الى داخل البرلمان المغربي والرهان على مصادقة المجلس التشريعي على قانون يجرم التطبيع ويعاقب سجنا كل من مارس التطبيع.
التطبيع بين الرفض الشعبي والصمت الرسمي
لكن صدور هذا القانون يبقى من الصعب وحتى إن صدر، فالدولة المغربية لن تلتزم به لأسباب واقعية. وتؤكد مصادر عليمة بعمل أعلى هرم الدولة المغربية أن الدولة متشبثة باليهود المغاربة سواء في إسرائيل أو في الخارج لأنهم يقدمون خدمات للبلاد ومنها في قضايا حساسة مثل التسلح وتطوير الترسانة العسكرية المغربية ودور في قضية الصحراء وسط صناع القرار الأمريكي. وهذا التشبث يجعلها لا تهادن إسرائيل كثيرا.
وخدمات لوبيات اليهود عالميا هي التي تجعل الملك محمد السادس يوشح في كل عيد عرش مجموعة من اليهود. ووشح خلال عيد العرش الأخير مالكوم هونلاين نائب الرئيس التنفيذي لمؤتمر رؤساء كبريات المنظمات اليهودية الأمريكية، وسبق وأن رشح العشرات من اليهود سابقا.
وتبقى المفارقة أن رئاسة الحكومة التي يديرها عبد الإله ابن كيران المنتمي الى حزب العدالة والتنمية، أشد الأحزاب معارضة للتطبيع، فشل في وقف ارتفاع المبادلات رغم أنه يتوفر على حق إصدار مرسوم وزاري يمنع استيراد المنتوجات الإسرائيلية. وأوردت قناة الجزيرة في تقرير لها أن صادرات إسرائيل الرسمية الى المغرب بلغت قرابة 19 مليون دولار، وتبقى الصادرات غير الرسمية عبر جول ثالثة هي بمئات الملايين من الدولارات خاصة عبر اسبانيا وبلجيكا.
تهديد اليهود
وأوردت جريدة القدس العربي اليوم الأربعاء تقريرا عن تهديد بعض قادة اليهود في العالم للمغرب في حالة المصادقة على قانون يجرم التطبيع. في هذا الصدد، تفيد أن شيمون صامويلز، أحد زعماء اليهود الأمريكيين ورئيس مركز ‘سيمون ويسنتهال للعلاقات الدولية’ في رسالة مفتوحة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى التدخل لإلغاء مسودة هذا القانون المثير للجدل، مشيرا إلى أن ‘من شأن المصادقة على هذا القانون أن يؤثر على صورة المغرب كبلد التسامح، والمعروف بعلاقاته المتميزة مع الجالية اليهودية عبر أنحاء العالم.
وهدد شيمون صامويلز أن ‘تمرير مسودة القانون ستكون له آثار وخيمة على صورة المغرب على المستوى الاقتصادي. وقال ‘هذا القانون لن يضر فقط اليهود المتبقين بالمغرب، لكنه سيشكل تمهيدا لإقصاء الأقليات الأخرى الموجودة بالمغرب، وبالتالي تقويض ما نص عليه دستور 2011، في مجال حقوق الإنسان، الذي أعلن عنه جلالتكم، كما أن من شأن المصادقة على هذا القانون أن يسيء إلى آفاق الاستثمار الأجنبي بالمغرب حاليا ومستقبلا’.
وشدد شيمون صامويلز على أن هذا القانون يتضمن إعلان حرب دبلوماسية على جميع الدول التي يملك مواطنوها جنسية إسرائيلية، وأيضا ضد جميع المغاربة، الذين لهم روابط عائلية مع إسرائيل.
في غضون ذلك، يبقى من الصعب مصادقة الدولة العميقة في المغرب على قرار التطبيع، فهي ظاهريا ستستمر في رفض التطبيع ولكن تمارسه بشكل صامت.