تحل الأخبار بين الحين والآخر اعتقال السلطات الأوروبية بتنسيق مع المغربية عمليات اعتقال مغاربة كانوا ينوون الذهاب الى العراق وسوريا للالتحاق بجماعات مثل داعش أو حول عمليات انتحارية ينفذها مغاربة من أصول أوروبية. وهذا يكشف تصدر المهاجرين المغاربة والأوروبيين من أصل مغربي المراكز الأولى في لائحة المتطرفين الذين يتوجهون الى العراق وسوريا. وهذا الوضع يتناقض والاسلام المعتدل الذي تمثله وتروج له الدولة المغربية. وتقف عوامل متعددة وراء هذه الظاهرة التي تعتبر مفارقة حقيقية.
وتفيد تقارير الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأوروبية بوجود المغاربة ما بين المركز الأول والثاني في الشباب الأوروبي سواء الحامل للجنسيات الأوروبية أو المهاجرين، كما تؤكد التقارير الأمنية المغربية هذا المعطى ومنها تصريحات وزير الداخلية المغربية محمد حصاد في البرلمان منذ أكثر من شهرين. ويعتبر المغاربة الجنسية الثالثة ضمن المقاتلين الأجانب بعد السعودية وتونس ويتجاوزون المصريين.
ولا يوجد رقم حقيقي حول مغاربة أوروبا الملتحقين بحركات مسلحة إسلامية في الشرق الأوسط سواء الحاملين للجنسيات الأوروبية أو المهاجرين، ويسود الاعتقاد أنهم يشكلون حوالي 20% من، أي الخمس. ويتصدر المغاربة لائحة المتطرفين الذين يتوجهون الى العراق وسوريا في دول مثل بلجيكا وهولندا واسبانيا وإيطاليا ونسبيا فرنسا.
ومنطقيا، يبقى هذا المعطى مناقضا لتواجهات الدولة المغربية بل ويشكل مفارقة صارخة. ويقدم المغرب نفسه دولة معتدلة في الإسلام، ويقوم المغرب في الوقت الراهن بممارسة ما يسمى الدبلوماسية الدينية من خلال الترويج لصورة “إمارة أمير المؤمنين” في مجموعة من الدول في غرب إفريقيا بل وتكوين ائمة.
ورغم كل هذا، يبقى المغرب من المصادر الأولى التي تزود مناطق النزاع في الشرق الأوسط بمتطرفين من اليمن الى العراق مرورا بمنطقة الساحل. ويقع هذا رغم عامل البعد الجغرافي للمغرب عن منطقة النزاع ورغم الاستقرار السياسي والمراقبة الأمنية بحكم أن المغرب ليس دولة تشهد اضطرابات مثل تونس وليبيا مثلا.
ومن تجليات هذا الوضع هو سعي مختلف الدول الأوروبية الى توقيع اتفاقيات أمنية واستخباراتية مع المغرب لمواجهة الإرهاب. وكانت مصادر أوروبية قد صرحت سابقا للقدس العربي أن “دور المغرب في مكافحة إرهاب داعش هو مراقبة مواطنيها الذين يذهبون الى مناطق النزاع في سوريا والعراق والعمل على منعهم”.
وتقف عوامل متعددة وراء ظاهرة تصدر المغاربة لائحة المتطرفين نحو الشرق الأوسط. في هذا الصدد، يبدو هذا المعطى واقعيا اعتبارا من أن الجالية المغربية في أوروبا من أكبر الجاليات رفقة التركية وتتفوق على باقي الجاليات الأخرى. فهي الجالية العربية والإسلامية الأكثر عددا في اسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا والثانية في فرنسا بعد الجزائرية.
في الوقت ذاته، في طريق بحثها عن نموذج الإسلام الأوروبي” عمدت عدد من الدول الأوروبية ومنها اسبانيا وهولندا الى إقصاء المغرب من تسيير الشأن الديني، الأمر الذي جعل التسيير يسقط في يد أئمة بعضهم متطرف، وهو ما جعل الكثير من المغاربة يعتنقون الأفكار المتطرفة.
وفي ارتباط بهذه النقطة، لا يمتلك المغرب مساجد في أوروبا بين يوجد العكس في حالة دول ليس لديها جالية مهاجرة ولكنها تسيطر على الكثير من المساجد مثل دول الخليج العربي وعلى رأسها العربية السعودية التي تروج للوهابية.
ويجمع نشطاء الهجرة المغربية في المجال السياسي والديني فشل المؤسسات التي أنشأها المغرب للإشراف الديني أوروبيا مثل مؤسسة “المجلس العلمي” واختار مقرا له العاصمة البلجيكية بروكسيل. وترتفع أصوات تطالب الدولة المغربية بنهج سياسة ذكية تساهم في إنهاء التطرف وسط جاليتها في أوروبا عبر إعادة هيكلة الحقل الديني المغربي في أوروبا طالما أن الاعتقالات وحدها غير كافية.