حرب بيانات اندلعت مجددا بين الجزائر والمغرب ساحتها الشريط الحدودي الذي ينهي سريان إغلاقه عقده الثاني العام القادم، من دون أن يلوح في الأفق ما يبشر بعودة الوفاق بين البلدين الجارين. بديهي أن انهيار الحوار في قضية الحدود المغلقة يلقي بظلال أكثر قتامة على النزاع الإقليمي حول الصحراء. و من لا يقدر على حل إشكالات التطبيع الحدودي، في ضوء انتفاء الأسباب الظاهرة التي أدت إلى تعليق تنقل الأشخاص والبضائع، يكون أصعب عليه أن يجد الحل الملائم لنزاع أعمق وأكبر.
على امتداد ما يقارب الأربعين عاماً جرب المغاربة والجزائريون أكثر المقاربات سلاسة، بعد أن خاضوا أشد الصراعات هدراً للطاقات والإمكانات. وتوصلوا إلى فكرة جذابة تقضي إبعاد خلافات الصحراء عن ملف العلاقات الثنائية، من منطلق أن النزاع الإقليمي ترعاه الأمم المتحدة وأن أقصى ما يتطلبه الموقف التعاون الكامل مع جهود المجتمع الدولي لإيجاد حل سياسي وفاقي. ومن النتائج المشجعة لهذا التوجه أن الأمم المتحدة دخلت على خط البعد الإقليمي، كونه يضمن معاودة فتح الحدود بين البلدين الجارين، وينصرف موازاة مع ذلك نحو دعم خطوات تفعيل الاتحاد المغاربي.
ارتدت الدعوة طابعاً ملحاً، على خلفية تنامي التحديات الأمنية في منطقة الساحل.
ولا يبدو في أفق الوضع الراهن تحقيق أي اختراق لحالة الجمود التي تهيمن على المسارات كافة.
على الصعيد الإقليمي، تبددت الآمال في تأمين عقد القمة المغاربية المؤجلة، بعد أن ساد اعتقاد بأن زخم عراك الربيع العربي سيدفع بالمشروع المغاربي إلى صدارة الاهتمام، بخاصة وقد صدرت المبادرة في هذا الاتجاه من الرئيس التونسي المنصف المرزوقي الذي رغب في إضفاء شرعية ديموقراطية على البناء المغاربي، كي يبدو منبثقاً من القاعدة وليس مفروضاً من القيادة. وما من شك في أن انهيار جهود عقد القمة المغاربية تعاود استحضار شبح الخلافات المغربية – الجزائرية. كون المشروع المغاربي لم ير النور، إلا في غضون حدوث انفراج تلك العلاقات.
بيد أن حالة التعطيل الإقليمي انسحبت على المحور الثنائي. وبعد أن كان هذا البعد يؤثر في مسار التكتل المغاربي سلباً أو إيجاباً أصبح يتأثر به، إلى درجة أن أياً من المقاربات الثنائية أو المتعددة الأطراف لم تكفل العودة إلى إقامة علاقات مجرد عادية، لا هي خالية من المشاكل ولا هي أسيرة لها. بل إن البحث في معاودة فتح الحدود التي تعتبر بكل المقاييس شيئاً طبيعياً بين دولتين جارتين، أصبح يخضع لوضع الشروط، مع أن الأصل أن تكون الحدود معابر تفاهم وتعاون، إن لم يرتق إلى المستوى السياسي. لا أقل من أن يدفع في اتجاه إنساني لحفظ صلات القرابة والمصاهرة بين ساكنة الشريط الحدودي على الجانبين.
لأن أي أزمة لها بديلها، فإن استمرار الوضع الراهن في العلاقات المغربية – الجزائرية يرادفه تكريس العزلة وعدم الثقة والانكفاء ثنائياً، لكنه ينسحب بالضرورة على منطقة الشمال الإفريقي برمتها. وفي حال لم تكن أوفاق حسن الجوار تدفعهما إلى فتح صفحة جديدة، تحررهما من كل العقد التي نشأت جراء توالي الخلافات والصراعات، فلا أقل من إبعاد المنطقة عن دائرة التأثير السلبي الذي عطل المشروع المغاربي وساهم بقسط وافر في إضعاف المفاوضين المغاربيين إزاء شركائهم الأوروبيين. بل كاد يلغي الحضور المغاربي في التعاطي والاستحقاقات العربية المصيرية والملحة.
ليس قدراً محتوماً أن يخلف البلدان الجاران والمنطقة المغاربية مواعد مستحقة مع تحولات عاصفة. فقبل انهيار المعسكر الشرقي، حدث الانتباه إلى محاسن البناء المغاربي، وتحديداً العام 1989.
وسواء كان الانزعاج المتبادل بين المغرب والجزائر يستند إلى تناقض الرؤية وتباين المواقف إزاء إشكالات ثنائية وإقليمية متراكمة، أو أنه نتاج تسويق الأزمات إلى ما وراء الحدود. فالثابت أن توسيع الفجوة لا يصنع سياسة قابلة للبقاء. وبعكس ذلك تماماً فإنه يزيد في حجم التباعد. ومن المكابرة القول إن من يعجز عن معاودة عقارب الساعة إلى جوار طبيعي على الشريط الحدودي في إمكانه أن يفعل ما هو أكبر على الصعيد الإقليمي.
لا يتطلب الأمر افتعال مواجهات جديدة. فالالتفات إلى واقع المنطقة يؤكد أن مشاكلها لا تعد ولا تحصى. فقط يطرح السؤال: هل بتعميق المشاكل يمكن حلها، أم أن الحل يبدأ بالإقرار أنها قائمة ولا يمكن ترحيلها من دون توافر إرادة سياسية تتدارك أخطاء الماضي