بعد حراك الربيع المغربي الذي دام شهورا طويلة من سنة 2011 وحراك الريف الذي دام تقريبا نفس المدة والذي لم ينته بعد الوعود والتغييرات الدستورية كما حدث سنة 2011، ولكن باعتقال ومحاكمة الجزء الأكبر من النشطاء القائدين له، جاء حراك جرادة، وقبله حراك العطش بزاكورة وحملة مقاطعة المستهلكين لثلاثة منتجات لشركات يستفيد بعضها من اقتصاد الريع ومن فوائد القرب من السلطة وبعد حركات أخرى اقل زخما ببني ملال وأوطاط الحاج وغيرها، اقول بعد كل هذا، أبتهجت شوارع المغرب في الآونة الأخيرة وبكل مدنه، كبيرة وصغيرة، بحراك قادتُه من الأطفال واليافعين. ملأ هذا الحراك الذي نال على العموم إعجاب وتعاطف الساكنة، الساحات والمحاج بشكل مباغت. لم يتوقعه أحد. لم ينظمه أو يحضر له أحد. برهن الحراك على أن شبيبات الأحزاب في واد والشباب في واد آخر وأن تأطيرها ضعيف أكان تنظيميا أو خطابيا. فشعارات حراك الأطفال، فريدة وتمتح من الثقافة الشعبية ومن أناشيد جماعات الألتراس
ومن بعض ما يروج بشبكات الإعلام الاجتماعي ومنها بعض شعارات الربيع العربي. فشعار حراك الأطفال الاكثر شيوعا هو»الشعب يريد إسقاط الساعة». ولنذكر أن الشعار المركزي للربيع المغربي كان هو «الشعب يريد إسقاط الاستبداد والفساد». بل أن إحدى الطفلات الشاطرات قد ربطت، بوعي أو دون وعي منها، بين الشعارين وذلك بالقول إن قرار الاحتفاظ بالساعة الصيفية طيلة السنة قرار اتخذ بطريقة لاديمقراطية، واللاديمقراطية هي الاستبداد بالقرار. لقد صفق لها الأطفال مبتهجين لما صرحت «لقد هرمنا من هذه الاختيارات اللاديمقراطية».
وهنا لابد ان نذكر بأن السبب الأساسي للحراك موضوع هذا المقال هو القرار الرسمي المتسرع والقاضي بالاحتفاظ بالساعة الصيفية طيلة السنة وهذا قد ينتج عنه عدة سلبيات ومساوئ منها الاستيقاظ في الظلام بل والمشي إلى المدرسة وغير المدرسة تحت جنحه خلال اشهرالخريف والشتاء. ومضار هذا الأمر واضحة ومنها تهديد أمن الأطفال خصوصا بالبادية وبضواحي المدن المهمشة ونقص في ساعات النوم. وحتى بعض الحلول الترقيعية التي اقترحتها الحكومة ومن ذلك أن يكون فتح المدارس في الصباح متأخرا بساعة عن فتح الإدارات والمعامل والأبناك لم تكن مرضية، بل هي قد تزيد في بعض الحالات من الأثار السلبية لتغيير التوقيت، إذ ستربك لا محالة الأجندة الأسروية اليومية التي بنيت على أساس ولوج الجميع، أو على الأقل الأغلبية، إلى مقرات العمل أو التكوين مع الثامنة صباحا.
في بعض المدن كانت شعارات الأطفال مسيسة، ففي الرباط والدار البيضاء ردد الأطفال شعار الألتراس المعروف وهذه ترجمته للعربية الفصحى: «لا تريدون منا أن ندْرس! ولا أن نشتغل! ولا أن يكون لدينا وعي سياسي، حتى تبقوا أنتم الحاكمين!» كما رفع شعار « الحكومة الدمدومة» أي حكومة كراكيز لا حول ولا قوة لها.
أما في الحسيمة، عاصمة الريف الثقافية، فقد ردد الأطفال بعض شعارات الحراك الذي قاده ناصر الزفزافي منذ سنتين. ونظرا لحساسية الوضع السياسي بالمنطقة فإن المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية، قد استجابت جزئيا لبعض مطالب التلاميذ كما تدخلت القوات العمومية لتفريق المتظاهرين دون عنف.
والآن لابد أن نسائل الواقع عن بعض معاني هذا الحراك الذي مس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، سبعة ملايين من طلاب المدارس. فقد شارك بعضهم وتعاطف البعض الآخر،كما أن بعضهم الآخر لم يستطع الدراسة خلال أيام بسبب مقاطعة الدروس. وما يمس الأطفال يمس أسرهم أي أن المغاربة قاطبة شاركوا في النقاش وأغلبيتهم الساحقة تؤيد مطالبة التلاميذ بتخلي الحكومة عن تغيير التوقيت. هذا نوع من الاستفتاء يظهر بوضوح أن تعنت الحكومة له معنى واحد فهي لا تمثل الساكنة ولا تهتم برأيها أو مصلحتها ولو كانت هذه سهلة التحقيق، فهاهي لا تتراجع حتى عن القرارات الموغلة في اللاشعبية بل والمستهترة بحقوق الناس. إن الحكومة تستمع للشعب بأذن شاردة وقد حقُر الشعب في عينها، وتصغي بحقارة وذلة لأولي الأمر الحقيقيين أي للنخبة المتحكمة في الأمور لأن الاحتفاظ بالساعة الصيفية طيلة السنة سيجعل للمغرب نفس توقيت الاتحاد الأوروبي وهذا يخدم مصالح بعض الشركات الكبرى والأبناك.
معنى آخر لحراك أطفال المدارس وسياقه، يتجسد في أن ثقافة الاحتجاج والمعارضة قد ترسخت في أعماق المجتمع المغربي إذ أصبحت تمس كل الفئات العمرية وكل المناطق والطبقات. وهذا قد يكون فأل خير للمستقبل القريب. فالطريقة السلمية الوحيدة لتدبير ثقافة الاحتجاج هي إما إغراق الساكنة بالمال العام ـ وهذا غير ممكن في المغرب ـ أو إقامة نظام ديمقراطي حقيقي يحكم فيه المنتخبون حسب مصالح الشعب، وهذا الأخير يعاقبهم بالتصويت ضدهم فيرتاح، أو يكون مرتاحا لسياساتهم فيصوت لهم فترتاح البلاد. والبلاد المستقرة برضى الشعب يزدهر اقتصادها فيعم الخير والعدل أوساط مجتمعها.