دخلت العلاقات بين السلطات المغربية والهيئات الحقوقية غير الحكومية مرحلة توتر جديدة بلغت مداها باتهامات وجهتها وزارة الداخلية المغربية لتلك المنظمات بخدمة “أجندة خارجية مدروسة”، والحصول على تمويل خارجي.
وتصاعد ذلك التوتر بإقدام السلطات مؤخرا -ولأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمان- بمنع أنشطة لتلك الهيئات، خاصة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وفرع المغرب لمنظمة العفو الدولية (أمنستي).
وتأتي عملية الشد والجذب الجديدة في وقت عمل فيه المغرب لأكثر من عقد على إصلاح صورته الحقوقية في الخارج، والتي توجت بانتخابه نهاية العام الماضي عضوا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مما طرح تساؤلات حول خلفيات العلاقة المتشنجة حاليا بين الطرفين.
وفاجأ وزير الداخلية المغربي محمد حصاد أغلبية المتتبعين للشأن السياسي والحقوقي مؤخرا عندما اتهم أمام البرلمان عددا من الجمعيات الحقوقية -لم يحددها- بـ”استغلال فضاء الانفتاح وهامش الحريات” لإعداد “ملفات وتقارير مغلوطة لدفع الجهات المعادية للمغرب لاتخاذ قرارات ضده”.
وواكب ذلك قيام السلطات المغربية بمنع أنشطة “تربوية وتكوينية” للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ومنع تنظيم مخيم شبابي دولي لفرع منظمة العفو الدولية في المغرب ببلدة بوزنيقة بضواحي الرباط بدعوى “عدم اتباع الإجراءات الضرورية”، وهو ما نفته المنظمة بشدة.
ورد ائتلاف حقوقي (يضم أكثر من أربعين جمعية) في بيان مشترك على اتهامات وزير الداخلية، معتبرا أنها “تندرج في سياق مخطط سلطوي يستهدف الحقوق والحريات الأساسية بالمغرب تحت ذريعة ومبررات مواجهة التهديدات الإرهابية الخارجية”.
وطالب الائتلاف السلطات بـ”الكف عن قمع حريات التنظيم والتعبير والتظاهر، بدل التمادي في التحامل على التنظيمات الحقوقية وتصنيفها مع الإرهاب والتطرف”، خاصة أن المغرب يتهيأ لتنظيم المنتدى الدولي لحقوق الإنسان في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بمدينة مراكش.
وفي الوقت نفسه، طالبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان -في بيان- رئاسة الحكومة ووزارة الداخلية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان بتحمل مسؤولياتهم في احترام حق الجمعية في تنظيم أنشطتها وتنفيذ برامجها، “ودعت القوى الديمقراطية للتصدي قبل فوات الأوان لهذه الهجمة والانتكاسة التي تعرفها بلادنا في مجال الحقوق والحريات”.
لكن الحكومة لم تقدم توضيحات بشأن الاتهامات المضادة للجمعيات الحقوقية بشأن عملية التضييق، حيث اكتفى وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي بالقول في تصريح صحفي إن “المغرب لا يشن هجمة على المنظمات الحقوقية، بل يتفاعل مع مطالبها وملاحظاتها”.
حملة انتقامية
وموازاة مع ذلك، اعتبرت الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان خديجة الرياضي في تصريح للجزيرة نت أن السلطات تقوم حاليا بـ”حملة انتقامية” ضد الجمعيات الحقوقية الوطنية بسبب دورها في “تبديد الصورة الخارجية” التي تسوقها (السلطات) حول تلك الأوضاع، وفضحها الانتهاكات والخروقات في هذا المجال”.
وأضافت أن الخلفية التي ترتكز عليها السلطات في ذلك تتمثل في “إضعاف صوت تلك الهيئات الحقوقية في خضم تهيئة الأجواء لانخراط المغرب في الحملة الأميركية الجديدة لمكافحة الإرهاب، والإعداد لمواجهة وقمع أية احتجاجات اجتماعية محتملة بالبلاد”، في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحالية.
وكشفت الرياضي أن الجمعية ستطلب -على غرار جمعيات حقوقية أخرى- “دعم ومساندة المنظمات الدولية في مواجهة الحملة الانتقامية للسلطات تجاهها”، مضيفة أنها ستتوجه أيضا إلى الآليات الأممية في ما يخص حماية المدافعين عن حقوق الإنسان لـ”المطالبة بمحاسبة الدولة المغربية بشأن هذه التضييقات في إطار الالتزامات التي وقعت عليها في هذا المجال”.
وفي تعليقه على هذه التجاذبات، قال الكاتب الصحفي إدريس الكنبوري إن التوتر بين السلطات والمنظمات الحقوقية سواء الوطنية أو الدولية يعزى إلى “تخوف المغرب من تأثير ذلك على موقفه في الصحراء” الغربية خصوصا بعد انتقال الصراع في الموضوع بين المغرب والبوليساريو، من المستوى السياسي إلى المستوى الحقوقي، من أجل الضغط على المغرب.
وأضاف أنه “لمواجهة التقارير الدولية التي تصدر حول ذلك الوضع الحقوقي تحاول الحكومة المغربية الدفاع عن أطروحة مفادها أن تلك التقارير مخدومة أو ذات أجندة سياسية، وأن هناك تداخلا ما بين السياسي والحقوقي”.
المغرب في الصحافة الدولة: الجزيرة نت/علاقات متوترة بين سلطات المغرب ومنظمات حقوقية
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان