صنف تقرير أمريكي المغرب في الرتبة 231 عالميا في التنوع الديني من أصل 232، وهي رتبة تعكس التضييق التاريخي للسلطة المغربية على مختلف التيارات الدينية والعقائد الأخرى لأسباب سياسية أكثر منها دينية. وتقف كذلك أسباب تاريخية واجتماعية أبرزها غياب تنوع إثني وديني في المغرب باستثناء تواجد يهودي، لكن هذا الوضع مرشح للتغيير مستقبلا بسبب عوامل جديدة منها الهجرة وتطور الحقوقي الذي يصب في ضرورة احترام حق اعتناق باقي الديانات.
وجاء هذه الأيام في تقرير بيو الأمريكي الذي يعالج وضع الأديان في العالم وحرية المعتقد تصنيف المغرب في المركز 231، وهي رتبة ما قبل الأخيرة. وعمليا، هي رتبة مدهشة وتثير التساؤل في ظل الحديث عن التسامح الديني في المملكة المغربية وفي ظل موقع المغرب الجغرافي مثل بوابة بين القارة الافريقية وأوروبا.
وتفيد المعطيات التاريخية أن مغرب خلال النصف القرن الأول من القرن العشرين كان متنوعا دينيا بسبب وجود فترة الحماية، وهو المصطلح المخفف للإستعمار الفرنسي والإسباني الذي حضع له ما بين سنتي 1912 الى 1956. وعلاوة على الساكنة المسلمة المغربية وكذلك اليهود المغاربة الذي كان عددهم نصف مليون من أصل قرابة ثمانية ملايين مغربي في منتصف أربعينات القرن العشرين، تواجد وعاش في في المغرب مئات الآلاف من الفرنسيين والإسبانيين وباقي الجنسيات الأوروبية الذين يؤمنون بالمسيحية وكذلك الهنود.
وتعتبر الكنائس والمعابد اليهودية في مختلف المدن المغربية شاهدة على هذا التنوع الديني في الماضي إلا أنه بعد الاستقلال ورحيل اليهود والأوروبيين، تراجع التنوع الديني وأصبح على شاكلة ما كان عليه قبل الحماية. ومن الإجراءات التي أقدم عليها الاستعمار معارضة دخول المغاربة في المسيحية، فرغم لااستعمار لم يشهد المغرب موجة تبشير وتمسيح. واتخذ الاستعمار القرار خوفا من انتفاضة عارمة ضد خاصة وأن السلطة الروحية في المملكة المغربية كانت في يد السلطات وليس الفرنسيين. واختلف الاستعمار الأوروبي في المغرب عن باقي معظم الدولي العربية. فبينما تولت القوة الاستعمارية تسيير الأمور كلها، تقاسمت السلطة نسبيا مع سلطان المغرب.
وتاريخيا، حاولت السلطة المغربية الإبقاء السيطرة على الدين من خلال فرض الفكر السني ومحاربة باقي التيارات الدينية لأن الوصول الى السلطة كان يتم باسم الدين، واحترمت عموما الديانة اليهودية. وساهم الموقع الجغرافي للمغرب في أقصى شمال غرب القارة الإفريقية في عزلة دينية عكس الدول الأخرى التي كانت ممر مختلف التيارات الفكرية والدينية مثل منطقة الشرق الأوسط برمتها.
وفي الوقت ذاته، ساهمت الرقابة الاجتماعية من خلال رفض الآخر الذي يعتقد في ديانة مختلفة” في انحصار التنوع الديني. ومن التعابير للتقليل من قيمة الآخر وسبه استعمال وصف ديني مثل “فعايل ليهود” و “ليهودي” و”سير أنصراني”.
ويشبه الوضع الديني في المغرب حالة اسبانيا التي فرضت بعد طرد المسلمين الكاثوليكية دون غيرها من التيارات الدينية الأخرى، وكانت تعتبر حتى الأمس القريب، قبل تحولها الى وجهة للهجرة ذات ديانة واحدة مهيمنة وهي الكاثوليكية.
وهناك مؤشرات تدل على أن الخريطة الدينية للمغرب ستصبح أكثر تنوعا ابتداء من العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين. ويمكن إجمال المعطيات التي رصدتها جريدة ألف بوست الرقمية وستساهم في هذا التغيير مستقبلا فيما يلي:
-اعتناق أفراد الجالية المغربية في الخارج ديانات غير الإسلامية وكذلك تيارات دينية أخرى مثل الشيعة، وتعتبر دول مثل هولندا وبلجيكا من الأمثلة البارزة، حيث يرتفع عدد الشيعة المغاربة كما يرتفع عدد المسيحيين المغاربة. ويوجد المسيحون المغاربة الجدد في العائلات ذات الزواج المختلط بين الأوروبيين والمغاربة.
.-الحملات التبشيرية التي تستهدف المغرب وخاصة من طرف البروتستانيين سواء عبر الاتصال الشخصي أو عبر حملات إعلامية بهدف حويل جزء من الساكنة المسلمة الى مسيحية. ويجري التركيز على الأمازيغ ضمن أمازيغ شمال إفريقيا.
-تحول المغرب بشكل تدريجي الى وجهة للهجرة ومنها الأوروبية والإفريقية التي تنوي الاستقرار، ويمكن ملاحظة عدد الأفارقة الذين يتوافدون على الكنائس في مدن مثل الرباط والدار البيضاء وطنجة. ومن شأن استقرار مهاجرين مسيحين أن يكون له تأثير ولو ضعيف للغاية في نشر المسيحية.
-مصادقة المغرب على اتفاقية دولية تحترم حرية المعتقد، وهي اتفاقية ستساهم في دفع الكثير من المغاربة للخروج الى العلن لممارسة الشعائر الدينية التي يعتقدون فيها. وكان القضاء المغربي يحاكم كل من اعتنق ديانة أخرى، ورغم أن الحكم محدود إلا أنه كان حاجزا قويا ضد اعتناق المسيحية.
-رغم التعصب ووجود سلفية متطرفة، بدأ المجتمع المغربي، وفي حدود معينة، يتفهم باقي الديانات وظهرت جمعيات حقوقية مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وحركات سياسية مثل اليسار الاشتراكي الموحد وحزب الأصالة والمعاصرة تنادي بحرية المعتقد. وهذا الموقف يتجاوز الرقابة الاجتماعية التي يتخوف منها الكثير من مسيحيي المغرب خوفا من النبذ والتهميش الاجتماعي.
– استعمال وسائل الاتصال الحديثة من طرف مسيحيي المغرب للتواصل وتنسيق العمل بينهم في أفق نشر المسيحية في صمت ودون إثارة الانتباه.
-وعلاقة بالإعلام، توجه مختلف التيارات الدينية منها الإسلامية والمسيحية برامج خاصة بشمال إفرقيا ومنها المغرب لإقناع المغاربة بتغيير ديانتهم. ولا يقتصر الأمر فقط على اللغة العربية بل حتى الأمازيغية بمختلف لهجاتها من سيوسية وريفية وأطلسية.