تلعب المسلسلات التركية دورا مهما في تلميع صورة تركيا عربيا. لكن التأثير التركي في المغرب أصبح يزعج بعض الجهات المناهضة لحزب العدالة و التنمية المغربي الحاكم.
أعادت الزيارة التي أجراها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للمغرب أخيرا النقاش مجددا حول العلاقات القوية التي تربط بين حزب العدالة و التنمية التركي و نظيره المغربي. الزيارة و لو أنها مرت في أجواء هادئة و بتغطية إعلامية ضعيفة إلا أنها أعادت إلى الواجهة الجدل حول النفوذ التركي في المغرب و خصوصا الجانب الثقافي منه، الذي تعزز في السنوات الأخيرة بعد ما تصفه عدد من الصحف المحلية في المغرب بـ”غزو” المسلسلات و الأفلام التركية لمحطات التلفزيون المغربي على غرار باقي الدول العربية، و استئثارها بنسب متابعة مرتفعة
سعي تركيا لتوسيع نفوذها
و تبدي تركيا في الآونة الأخيرة اهتماما أكبر بمنطقة المغرب العربي ترجم إلى اتفاقيات تجارية و استثمارات كبيرة مع البلدان المغاربية. توفيق بوعشرين رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم المغربية يعتبر أن سعي تركيا لخدمة مصالحها و البحث عن أسواق جديدة أمر طبيعي و تسعى إليه أي دولة أخرى، و يضيف خلال حوار أجرته معه DW” لا أعتقد أن هناك مخططا أو مؤامرة لنشر ثقافة تركيا في المغرب”.
أما مسألة تزايد انتشار الأفلام و المسلسلات التركية و الإقبال عليها بشكل كبير فيفسره الكاتب و الصحافي المغربي بالقول” بتزايد الطلب على هذه المسلسلات من طرف المشاهد العربي بشكل عام، و ذلك يأتي بالتزامن مع تراجع الدراما المصرية و السورية. ثم إن هذه المسلسلات ليست منتشرة فقط في العالم العربي بل في مناطق أخرى من العالم”.
لكن الكاتب و الشاعر المغربي صلاح الوديع و إن كان يتفق على أن “الإشعاع الثقافي لكل بلد أمر مشروع”، إلا أنه يعتبر أن ذلك يجب أن يتم بشروط ” أنا ضد استغلال ذلك من أجل ترويج اختيار مجتمعي يعتمد الخلط بين الدين و السياسة، و هذا هو ما تؤاخذ عليه تركيا” حسب تعبيره.
صراع ثقافي و سياسي
ويضيف الوديع في حوار أجرته معه DWأن تركيا تروج “خطابا مزدوجا فهي تحاول التغلغل في العالم العربي و فرض تأثيرها بينما تشكل في نفس الوقت أكبر حليف لإسرائيل و أمريكا في الشرق الأوسط”.
تأثير تركيا المتزايد في الشارع المغربي و تعرف المغاربة و إعجابهم أكثر بهذه الثقافة من خلال ما تروجه تلك المسلسلات سواء حول تاريخ البلد أو نمط عيش الأتراك، أصبح يزعج على ما يبدو المحسوبين على التيار الفرنكفوني القوي في المملكة الشريفة أو ما يسميه البعض في المغرب بـ”حزب فرنسا”. وهذا ما جعل هذه اللوبيات تفكر في الحد من هذا التأثير من خلال حذف هذه الأعمال التلفزيونية. هذا ما أكد عليه مسؤول في إحدى المحطات التلفزيوية المغربية لـ DW.
المسؤول الإعلامي الذي طلب عدم ذكر اسمه قال إن الزيارة الأخيرة لأردوغان أثارت النقاش حول مسألة الأعمال الفنية التركية التي تبث على قنوات التلفزيون المغربي و “هناك توجه الآن لعدم السقوط في أعمال تمجد تاريخ تركيا أمام المشاهد المغربي”.هذا التوجه، حسب ذات المصدر، ظهر بعد رصد التأثير الكبير الذي تلعبه هذه المسلسلات في تلميع صورة تركيا و اهتمام الجمهور المغربي أكثر فأكثر بالتعرف على تاريخ تركيا. ” هناك خوف من أن يتم استقبال أردوغان في المغرب مستقبلا استقبال الأبطال، خاصة أن فئة كبيرة من المشاهدين المغاربة لا تميز بين أردوغان و صورة تركيا بشكل عام”. و هذا أكثر ما يزعج هذه اللوبيات حسب المصدر ذاته.
تقارب “مزعج“
صعود حزب العدالة و التنمية الإسلامي المغربي إلى السلطة عزز أكثر هذا التركيز على صورة تركيا و حزب أردوغان في المغرب وتزايد نفوذها، خاصة أن ذلك يمكن أن يخدم بالتالي شعبية حزب العدالة والتنمية المغربي . و لكن توفيق بوعشرين يستعبد أن تكون هناك نوايا لتقليص أو حذف المسلسلات التركية في المغرب من أجل سبب كهذا “أستعبد ذلك فالأفكار والمظاهر التي تسوقها هذه المسلسلات لا تتوافق مع مبادئ حزب العدالة و التنمية التركي، و قد سبق و أكد لي ذلك مسؤولون من الحزب التركي”.
أما صلاح الوديع فيعتقد أنه لا ضرر في تواجد هذه المسلسلات في التلفزيون المغربي على أن لا يكون ذلك على حساب المنتوج المحلي المغربي” التنوع دائما يخدم الإنتاج الفني و لكن يجب أن توضع له سياسات تنظمه و تخلق توازنا بين المنتوجات المحلية و الأجنبية”.
و بينما ينظر البعض لانتشار هذه المسلسلات كمسألة تجارية محضة بمعزل عن الإطار السياسي، يرى متتبعون أن اللوبيات الفرنكفونية المناهضة لحزب العدالة و التنمية الإسلامي والتي ترتبط أكثر بمصالح فرنسا الاقتصادية والثقافية في المغرب منزعجة من التقارب بين الحزبين التركي و المغربي، و يقول صلاح الوديع بهذا الخصوص” طبعا هناك انزعاج من هذا التقارب و أنا شخصيا أتفهم ذلك، لأن هذا التحالف يتم بين حزبين يخلطان بين الدين و السياسة، و هذا ما لا نريده في المغرب”.