استأثر خبر تقديم علامة سيارة مغربية أمام جلالة الملك يوم 15 ماي الماضي، باهتمام كبير سواء على الصعيد الوطني أو الدولي، اعتبارا لأهمية الحدث الذي يعزز المشروع الوطني “صنع في المغرب” (MADE IN MOROCCO). تعرف شركة نيو موتورز (NEO MOTORS) نفسها على أنها ثالث شركة مصنعة للسيارات في المغرب إلى جانب العملاقين رونو وستيلانتيس. “الأيام” تعيد قراءة مسار تأسيس الشركة واستراتيجية عملها وآفاقها المستقبلية كما تطرح بعض الأسئلة بخصوص مجموعة من نقاط الغموض التي تكتنف المشروع في انتظار أن تكشف الأيام المقبلة تفاصيل أوفى عنه.
تعتبر «نيو موتورز» أول علامة سيارات مغربية من إنتاج كفاءات وطنية تعتمد على منظومة محلية لتجهيز السيارات وتركيبها، وفق صيغة الخبر المتداول منذ 15 ماي وقبله بأسابيع، حيث سبق لبعض وسائل الإعلام أن كشفت معلومات عن المشروع، كما أن رياض مزور وزير الصناعة والتجارة بشر بقرب افتتاح أول وحدة صناعية محلية لصناعة السيارات نهاية 2022.
شبهة تضارب المصالح
عندما كشف رياض مزور وزير الصناعة والتجارة لأول مرة عن صناعة سيارات مغربية 100% في دجنبر 2022 في حوار مع موقع الشرق السعودي، محدثا حينها رجة في عالم المال والأعمال الوطني، تحفظ عن ذكر تفاصيل أكثر حينها بمبرر ترك الأمر للمعنيين بالمشروع. ويذهب البعض في تفسير تحفظ الوزير إلى إبعاد شبهة تضارب المصالح لكونه كان أول من روج لمشروع اتضح لاحقا أن أحد المساهمين فيه ليس سوى زميله في الحكومة المهدي بنسعيد وزير الشباب والثقافة والاتصال.
وحسب المعطيات التي كشفها موقع «لوديسك» فإن الوزير بنسعيد مساهم بنسبة 50 بالمائة في رأسمال الشركة المعنية بتطوير السيارة المغربية الجديدة، إلى جانب رجل الأعمال نسيم بلخياط الزوكاري الذي يشغل منصب نائب رئيس لجنة الدينامية الجهوية والشراكة بين القطاع العام والخاص التابعة للاتحاد العام لمقاولات المغرب.
يملك الوزير بنسعيد نصف أسهم الشركة المذكورة عن طريق شركة «Business of Ili»، بينما يملك شريكه النصف الآخر من الأسهم عن طريق شركة «Cap Invest Holiding». وحسب المصدر نفسه فإن شركة Business of Ili غيرت اسمها لتصبح INGM مستلهما الاسم الجديد من الحروف الأولى لأسماء العائلة اعتبارا لكونه يملك 51% من الأسهم في حين تتقاسم بقية الأسهم زوجته وابنيه، علما بأن المعني بالأمر لم يباشر إجراءات تغيير اسم الشركة لدى المحكمة التجارية بعد.
من هذا المنطلق يمكن فهم لماذا فضل مهدي بنسعيد منذ توليه مسؤولية وزارة الشباب والثقافة والاتصال الانزواء وتفادي الظهور العلني بصفته مساهما في المشروع، فقد ذهب البعض حد اعتبار تواجده في حفل افتتاح المهرجان الأول للفنون الرقمية «تيفاوت» بتاريخ 15 ماي مقصودا من أجل النأي بنفسه عن الحدث الذي نال اهتمام الجميع، في اليوم نفسه الذي استقبل فيه جلالة الملك شريكه نسيم بلخياط ووشحه بالوسام الملكي.
يقدم نسيم بلخياط نفسه مديرا وحيدا للمشروع من خلال خرجاته الإعلامية بداية بمجلة «تيل كيل» لكنه لم يتطرق إلى مصير الشراكة مع الوزير بنسعيد لتفادي إثارة موضوع تضارب المصالح، كما أنه في التصريحات التي أدلى بها في الآونة الأخيرة كان يحرص على ذكر كلمة «شريكي» دون أن يسميه. كما ذكر بلخياط في عدد من تصريحاته الصحفية الأخيرة اسم شركة AUTOGO التابعة لمجموعة أكوا لمالكها عزيز أخنوش باعتبارها من الشركاء المحليين.
يضاف إلى ذلك الطريقة التي حصلت بها الشركة الناشئة على تمويل سخي من الدولة والمانحين العموميين فضلا عن مجموعة من الامتيازات الضريبية بموجب اتفاقية الاستثمار التي وقعها وزير الصناعة.
وينص الفصل 36 من الدستور على أن «القانون يعاقب على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه وكل مخالفة ذات طابع مالي».
كما تنص المادة 33 من القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها على أنه «يتعين على أعضاء الحكومة أن يتوقفوا، طوال مدة مزاولة مهامهم، عن ممارسة أي نشاط مهني أو تجاري في القطاع الخاص، ولا سيما مشاركتهم في أجهزة تسيير أو تدبير أو إدارة المنشآت الخاصة الهادفة إلى الحصول على ربح، وبصفة عامة كل نشاط قد يؤدي إلى تنازع المصالح، باستثناء الأنشطة التي ينحصر غرضها في اقتناء مساهمات في رأس المال وتسيير القيم المنقولة».
الأسئلة المعلقة بخصوص السيارة المغربية 100%
هل يكفي أن تصنع مختلف مكونات السيارة في المغرب لكي نتحدث عن صناعة مغربية 100%؟ هل للتكنولوجيا المستعملة دور في هذا التصنيف؟ على أي أساس تعتبر هذه السيارة مغربية؟ هل يكفي تواجد مهندسين مغاربة وأطر مغربية مدربة في المجال للحديث عن سيارة مغربية خالصة؟ وهل يكفي أن يكون رأس المال مغربيا لكي نتحدث عن سيارة مغربية خالصة؟
الثابت أن المحرك الذي اختاره الشريكان تصنعه شركة ستيلانتيس المتواجدة في مدينة القنيطرة، مقابل اختيار باقي قطع الغيار ومكونات السيارات المصنعة في المغرب خاصة التي لا تسري عليها حقوق الملكية الصناعية والحقوق الفكرية، والتي تصنع في أزيد من عشرين مصنعا موزعا بين مدن طنجة والقنيطرة والدار البيضاء وفاس وتازة.
وفي غمرة الانشغال بتدشين سلسلة الإنتاج الخاصة بمصنع عين عودة كان لزاما على الشركة الحصول على شهادة من الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (NARSA) باعتبارها وثيقة أساسية ومحورية في سيرورة العمل كله اعتبارا لكونها تؤشر على استجابة السيارة لمتطلبات التصنيع والمواصفات الدولية المعمول بها.
طرحنا السؤال على أحد المهندسين المغاربة الرائدين، والذي فضل عدم ذكره اسمه فأجاب: «الجواب صعب لكون الأمر يتعلق بمجموعة من الأمور والمعطيات التي لا أتوفر عليها حاليا. لكن يمكنني أن أقول: إذا كان المحرك مغربيا 100% فإن السيارة مغربية 100% لأن المحرك هو قلب السيارة. وأطرح بالمناسبة سؤالا جوهريا: هل سهرت على تطوير هذا المحرك أدمغة مغربية؟ أقول هذا لأن تطوير محرك جديد يتطلب آلاف الساعات من العمل وعددا كبيرا من الخبراء والأكثر من ذلك ميزانية يمكنني أن أقدرها بمليار دولار».
تستمد هذه الأسئلة مشروعيتها بالنظر إلى هوية الشركات التي ستسهر على تصنيع قطع غيار السيارة الجديدة، بداية من المحرك المصنع من قبل شركة ستيلانتيس وانتهاء بالعجلات المصنعة من قبل كونتنونتال الألمانية مرورا بباقي المكونات التي ستصنعها شركات دولية أمريكية وصينية وإسبانية وفرنسية.
لخياط وبنسعيد .. مسارات متقاطعة
إذا كان نسيم بلخياط يقدم نفسه اليوم باعتباره المؤسس لشركة نيو موتورز فإن الوثائق التي كشفها موقع لوديسك تؤكد أنه شريك مع مهدي بن سعيد وزير الشباب والثقافة والاتصال في المشروع وأن تجاهل إسم الأخير مقصود في هذه المرحلة لتفادي الحديث عن تضارب المصالح.
جمعت نسيم بلخياط والمهدي بنسعيد مقاعد الدراسة في جامعة تولوز التي تخرجا منها سنة 2008 لتتفرق بهما السبل بعدها قبل أن يتجدد اللقاء بعد 8 سنوات وتنطلق المغامرة التي بدأت بطرح سؤال جوهري عن السبب الكامن وراء تقاعس رأس المال المغربي عن مواكبة التطور المطرد لمناخ الأعمال، خصوصا الجانب المتعلق بصناعة السيارات مادامت كل الظروف مواتية لتحقيق حلم صناعة سيارة مغربية خالصة 100%.
عندما تولى بنسعيد حقيبة وزارة الشباب والثقافة والاتصال في خريف 2021 اختار النأي بنفسه عن المشروع تفاديا لإثارة الانتباه، لكن المعطيات المتوفرة لحد الآن تؤكد أن وضعه القانوني في الشركة لم يتغير حيث مازال شريكا مع زميل الدراسة السابق نسيم بلخياط في نيو موتورز.
سيم بلخياط خريج جامعة تولوز عام 2008 في قسم قانون الأعمال وأسواق رؤوس الأموال ومتخصص في قانون البنوك والأسواق المالية، بدأ حياته المهنية مع كبرى شركات المحاماة في باريس ثم انطلق لاحقا في مشاريعه الخاصة بتأسيس شركة متخصصة في إدارة الأصول والطاقات المتجددة. عند عودته إلى المغرب في عام 2011 أسس شركته الأولى في مجال الطاقات المتجددة لتمثيل رواد العالم في مجال الخلايا الكهروضوئية ثم في مجال إضاءة LED. بعد ذلك أطلق بلخياط عدة مشاريع في مجال الاتصالات والدفع عبر الهاتف المحمول والمدينة الذكية، وهو أيضًا عضو مؤثر وفعال في الاتحاد العام لمقاولات المغرب.
بعد سنوات من العمل في قطاع المال والأعمال وقف بلخياط على النمو المضطرد لقطاع صناعة السيارات في المغرب خلال السنوات الأخيرة لتنبثق سنة 2016 فكرة تأسيس شركة مغربية تروم تصنيع سيارة بعلامة تجارية مغربية يقول مالكها إنه يهدف بها إلى منافسة عمالقة مصنعي السيارات في العالم.
أسئلة موضوع سيارة الهيدروجين الأخضر
وم 15 ماي الماضي لم يكن الحفل مقتصرا على «السيارة المغربية 100%» فقد قُدِّم للملك يومها النموذج الأولي للسيارة التي أطلق عليه اسم مركبة الهيدروجين النفعية HUV (Hydrogen Utility Vehicle) لشركة نامكس (NamX) لصاحبها المغربي فوزي النجاح.
وحسب ما تدوول إعلاميا منذ أكثر من سنة، حينما عُرِضت السيارة في أوروبا لأول مرة، فإن تقنية NamX الحاصلة على براءة اختراع تتكون من خزان هيدروجين ثابت وست كبسولات قابلة للإزالة والاستبدال ويمكنها أن تعمل لمسافة تصل إلى 800 كيلومتر.
قد أبدى أحد المخترعين المغاربة، فضل عدم الكشف عن اسمه، في حديث لـ «الأيام» تحفظه على كل المعلومات المتداولة بخصوص ما أثير عن سيارة الهيدروجين التي قدمت على أساس أنها اختراع مغربي للشاب فوزي النجاح مؤسس شركةNAMX ومديرها التنفيذي.
أول نقطة تتعلق بكون فوزي النجاح لم يسبق له أن سجل أي براءة اختراع كما يدل على ذلك بحث بسيط في موقع المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) (WIPO=World Intellectual Property Organisation) الذي يتضمن معلومات وافية عن تكنولوجيا الهيدروجين حيث تتصدر دول الصين واليابان وألمانيا قائمة البلدان صاحبة براءات الاختراع في هذا المجال.
وبخصوص النقطة الثانية يقول المصدر نفسه: «كباحث علمي وتكنولوجي، لدي شكوك وتحفظات حول صحة ما قيل عن هذا الموضوع، وإن كنت لا أزعم أن لي معرفة بتفاصيل هذا المشروع حول سيارة مغربية مزودة بالهيدروجين الأخضر. ما أعرفه أن جل الدول المتقدمة علميا وتكنولوجيا صرفت ملايير الدولارات لتطوير سيارة هيدروجينية ولم تصل بعد إلى مرحلة تسويقها كما هو حال السيارات الكهربائية التي بلغت مرحلة متقدمة في الانتشار عبر العالم».