تعيش المخابرات المغربية بشقيها العسكري والمدني أسوأ أسبوع خلال السنوات الأخيرة بسبب عملية تسريب وثائق حساسة من طرف جهة تحمل كريس كولمان24 في تويتر يعتقد أنها المخابرات الجزائرية، وكذلك ذكر المخابرات في ملف التعذيب الذي أنجزته لجنة المخابرات في الكونغرس الأمريكي، ويؤكد تورط المغرب في استقبال متهمين لاستنطاقهم في مركز تمارة.
وتقوم جهة تحمل اسم كريس كولمان24 في موقع التواصل الاجتماعي تويتر بتسريب وثائق حساسة للخارجية المغربية والمخابرات العسكرية التي يشرف عليها ياسين المنصوري. وتتضمن وثائق حول الصحراء أساسا وتتوزع على مراسلات رسمية تحمل طابع “سري جدا”، وكذلك كيفية تشكيل لوبيات في الخارج مثل نشر مقالات ضد الجزائر والبوليساريو.
ووجه المغرب أصابع الاتهام رسميا الى الجزائر، ولا يمكن استبعاد هذا البلد بسبب الصراع القائم معه، كما لا يمكن استبعاد جهات أخرى في ظل عدم تقديم الدولة المغربية تقريرا تقنيا يبرز كيفية حصول عملية التجسس وتسريب الوثائق.
وتوجد المخابرات العسكرية المغربية في موقف حرج للغاية، فعملية التسريب تضع تساؤلات حل الكفاءة بما فيها طريقة تسيير ملف الصحراء، كما تضع تساؤلات حول مستوى حماية الأمن القومي المغربي بعدما تبين أنه تعرض لضربة قوية في أول حرب إلكترونية/رقمية تتعرض لها البلاد.
ويسود صمت رسمي في الوقت الراهن رغم بدء الصحافة في معالجة الموضوع بنوع من الاحتشام، ولم تجد الدولة المغربية مفرا من الاعتراف خلال هذا الأسبوع بأن الوثائق المسربة حقيقية واتهمت الجزائر. وتشكل التسريبات ضربة قوية بسبب ما يلي:
لماذا فشلت المخابرات المغربية في حماية الأمن القومي المغربي؟ هذا هو التساؤل الذي يردده أكثر من باحث ومهتم والرأي العام المهتم بهذا الملف، وهذا سيجر الى معرفة نوعية الحماية التي توفرها للحاسوبات ونوعية النظام الرقمي المعتمد لأن الوثائق تغطي فترة زمني تمتد على سبع سنوات وتشمل وثائق مؤسسات متعددة.
ما هي كلفة التسريب على مصالح المغرب في ملف الصحراء في وقت دخل فيه هذا الملف مرحلة الحسم؟ فرغم الصمت ومحاولة التقليل، فمصالح المغرب تضررت بشكل كبير، فقد خسر لوبيات بناها لسنوات طويلة، وتضمن بعض الوثائق القلق الذي يسود الإدارة المغربية جراء تطورات ملف الصحراء، وهي تطورات مختلفة عما تروج له الخارجية، وهذه التطورات تؤكد “صعوبة موقف المغرب” في النزاع بل وآليات معالجة غير ملائمة مع تطورات الملف دوليا.
والجانب الآخر من الكلفة هو الحذر الذي ستتخذه مختلف الأجهزة المخابراتية الغربية وغير الغربية في تعاملاها مع المغرب، إذ من سيضمن لهذه الأجهزة سرية المراسلات وسرية المعطيات؟ ويعتبر تسريب البريد الكتروني للسفير الأمريكي السابق إدوارد غابرييل مثالا، ولا أحد يدري ما الذي سيسربه كولمان مستقبلا بعدما لم تفرغ جعبته منذ 3 أكتوبر الماضي.
وعلى مستوى آخر، لا توجد المخابرات المدنية في وضع أحسن من نظيرتها العسكرية. فقد ذكر تقرير لجنة المخابرات التابعة للكونغرس الأمريكي المغرب ضمن الدول التي استقبلت رحلات سرية للمخابرات الأمريكية وعلى متنها أشخاص لكي يخضعوا للاستنطاق في مراكز سرية في المغرب. والتقرير الذي سينشر كاملا في ستة آلاف صفحة يقدم معطيات عن كل دولة على حدة.
وقبل صدور هذا التقرير، كانت مقالات وربورتاجات قد تناولت بالتدقيق ما كان يجري في مقر تمارة خاصة ما بين سنتي 2002-2006 عندما انخرطت المخابرات المغربية بشكل كلي في مخططات سي أي إي. وكانت الدولة المغربية دائما تنفي وتشن حملات ضد من كشف عن هذه الخروقات، فهل يمكنها الآن أن تكذّب الكونغرس الأمريكي واعتراف الرئيس باراك أوباما بوقوع هذه التجاوزات؟
عندما يجري تهديد الأمن القومي لبلد ما، تقوم الدول المسؤولة بفتح تحقيق قضائي وآخر سياسي للوقوف على الثغرات والأخطاء التي ارتكبت لتحديد المسؤولية السياسية، ويتم لاحقا اتخاذ إجراءات منها تقديم استقالات.
ومن ضمن الأمثلة، عندما وقعت تسريبات موظف وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن لأرشيفات الوكالة، جرى تغيير مديرها الجنرال كيث ألكسندر لأنه لم يعد يتمتع بالثقة. وحدث الأمر نفسه، مع مدير المخابرات الإسبانية في التسعينات الجنرال مانغلانو عندما تسربت مكالمات هاتفية وكذلك مع المدير السابق ألبرتو ساينس منذ سنوات، ساينس، وفي عدد من الدول التي تحترم وتقدر المسؤولية.
وفي مثال آخر، بعد صدور التقرير حول التعذيب، لم يتردد الرئيس باراك أوباما شخصيا بالقول “أساليب التعذيب أضرت كثيرا بصورة الولايات المتحدة في العالم وجعلت متابعة مصالحنا صعبة مع حلفاءنا وشركاءنا… التقرير يكشف مدى عدم مطابقة أساليب التعذيب مع قيم أمتنا، بل لم تنفع في مجهوداتنا العامة في محاربة الإرهاب ولا في خدمة مصالح أمننا القومي”.
ويعيش المغرب حالة أقرب من سنودن مع فارق بشأن هوية “كريس كولمان 24″، وحالة شبيهة جدا بل متطابقة مع التقرير الصادر عن الكونغرس الأمريكي حول التعذيب. هل سيفتح المغرب تحقيقا في الحالتين، أم سيطغى الاستثناء المغربي واللجوء الى السب والقذف؟