منذ مدة ليست بالقصيرة وأنا أفكر في الكتابة في هذا الموضوع، وفي كل مرة أتراجع عن ذلك على أمل أن أجد لموضوع حقوق الإنسان بالمغرب نصيبا مقبولا ومعقولا في خرجات بنكيران التي حققت أرقاما قياسية غير مسبوقة في المشهد السياسي المغربي والعربي والإفريقي …
وبكل صدق ومسؤولية لست سعيدا أو فخورا بما سأكتب، بل إن هذا الموضوع يسبب لي ألما عميقا ووجعا فظيعا وأرقًا متواصلا .. ولكن الرسالة الحقوقية ودماؤها التي تسري في عروقي تفرض علي إثارة ما تجاهله البعض أو غاب عن البعض الآخر بشأن مجموعة من المعتقلين والصحفيين الذين قدموا خدمات جليلة في زمن دقيق وخطير لحزب العدالة والتنمية وبعض قادته، وللأسف الشديد تمت مكافأتهم بالتجاهل والنسيان الذي ضاعف ألم هؤلاء الأبطال الذين يقبعون في ظلمة السجون الموحشة..
والذي حملني هذه المرة على خوض هذه المغامرة هو ذلك العمل النبيل الذي قام به مؤخرا مجموعة من المناضلين الحقوقيين من مختلف التوجهات والتيارات الفكرية والتنظيمية في إطار لجنة الدفاع عن الصحفيين وكافة معتقلي الرأي، تركوا خلافاتهم السياسية والإيديولوجية جانبا، وتوحدوا من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان وعن الصحفيين المعتقلين وعن حرية الرأي، قاموا بزيارة أسرة سليمان الريسوني بمناسبة مرور ثلاث سنوات على اعتقاله، وبقدر ما أسعدتني هذه المبادرة الكبيرة والنبيلة، بقدر ما آلمني الغياب المتواصل والمتواتر لشخصيات من حزب العدالة والتنمية أو شبيبتها التي كان سليمان دائم الحضور إلى ملتقياتها كمحاضر ومؤطر فيها، أو أي عضو يمثل جمعية محامون من أجل العدالة الذي يضم محامي العدالة والتنمية، أو عضو من منتدى الكرامة لحقوق الإنسان الذي تتشكل غالبيته من مناضلي حزب العدالة والتنمية.. سواء في هذه المناسبة أو التي سبقتها، أو ربما التي ستأتي بعدها..
عندما أقول هذا الكلام بهذه الطريقة، فليس من باب التهكم أو السخرية، بل إنه كلام جاد ومعطى حقيقي يستدعي الوقوف عنده ودراسته دراسة نفسية وسياسية، وسأترك ذلك إلى مناسبة أخرى لأن كثرة الخرجات بتلك الطريقة ليست هي موضوع هذا المقال .. بل الموضوع هو؛ ما حظ حقوق الإنسان في كلام ابن كيران؟
والذي حملني – أيضا – على إثارة هذا الموضوع بهذه الطريقة عدة أسباب أذكر منها:
– أن العشرات من التقارير الوطنية والدولية بما فيها البرلمان الأوروبي تحدث عن الواقع الخطير لحقوق الإنسان بالمغرب، فكيف يتم تغييب هذا الموضوع الخطير في مداخلات وخطابات زعيم حزب كبير، مثل بنكيران، وقد تم تدويل قضية حقوق الإنسان بالمغرب من خلال كل هذه التقارير، حتى أصبحت معضلة حقيقية داخليا، وكادت أن تصبح أزمة سياسية خارجيا؟
– أن حقوق الإنسان وحرية التعبير تعرف تراجعات خطيرة جدا لا تخطؤها العين، وهذا ما أكده آخر تقرير لمنظمة مراسلون بلا حدود.
– أن بعض المعتقلين هم من أقرب الصحفيين إليه، الذين كانوا يدافعون عنه باستماتة كبيرة بالأمس القريب، خاصة إبان البلوكاج المشهور، وأخص بالذكر هنا الصحفي توفيق بوعشرين الذي خصص له افتتاحيات عديدة، وكان أشبه ما يكون بأحد مستشاريه المقربين.. بل هناك روايات تقول بأن دفاع توفيق بوعشرين عن ابن كيران كانت أحد الأسباب الثلاثة لصناعة ملف الاتجار في البشر واعتقاله، ولقد أخبرني توفيق شخصيا أن جهات من الدولة طلبت منه التوقف عن الكتابة عن عبد الإله بنكيران مع تقديم إغراءات مهمة، ولكنه رفض وواصل رسالته التي آمن بها.. والثاني هو سليمان الريسوني شقيق أحمد الريسوني الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، وسليمان هو الذي فضح مسيرة ولد زروال التي اسْتُهدِف بها بنكيران شخصيا، وقد استفاد هذا الأخير من العمل الذي قام به سليمان الريسوني استفادة سياسية وإعلامية عظيمة..
– أن موضوع التراجعات والانتهاكات في حقوق الإنسان أصبحت قضية وطنية ملء السمع والبصر، ومن الغريب ألا تكون نقطة في مداخلات أهم زعيم سياسي مغربي في الوقت الراهن في كل خرجاته الإعلامية!
وإذا تناولت موضوع حقوق الإنسان في اهتمامات ابن كيران دون حزب العدالة والتنمية، فذلك لسببين رئيسيين:
أولهما: أن عبد الإله بنكيران هو الذي يتزعم – دون سواه – قيادة الحزب التنظيمية فعليا وبصفة شخصية، وكذا المشهد الإعلامي الحزبي والسياسي، وأن كل خرجاته وكلماته تكون موجِّهة ومؤطِّرة لعموم أعضاء الحزب وقادته، ومؤثرة في المشهد السياسي العام.. تبعث رسائل واضحة أحيانا، ومشفرة أحيانا أخرى لمن يهمهم الأمر.
وثاني الأسباب: أن الحزب يتضمن مجموعة من الأعضاء الذين لهم اهتمام سابق بحقوق الإنسان، وكانوا من قبل ضمن الصفوف الأولى للمناضلين الحقوقيين، إلا أن عددهم أصبح يتناقص باستمرار، وتأثيرهم داخل الحزب في ضعف متواصل، واهتمامهم بحقوق الإنسان أصبح باهتا ومحدودا، كل ذلك – في اعتقادي المتواضع – بسبب الضغط الذي يمارسه بنكيران على بعض المناضلين، واستسلام آخرين للتهديدات الأمنية والقضائية التي أصبحت سيفا مسلطا على الجميع..
وهنا نعود إلى السؤال المحوري؛ لماذا يعمل عبد الإله ابن كيران على تغييب وتجاهل واقع حقوق الإنسان واعتقال الصحفيين وشباب حراك الريف والمدونين وكل معتقلي الرأي.. في كل خطاباته ؟
لماذا يقلل من شأن وخطورة الاعتقال السياسي، ولا يعطيه الاهتمام اللازم، ويقارن ما يقع في المغرب (60 معتقل سياسي حسب تقديره) بما يقع في مصر (60 ألف معتقل سياسي)؟ حيث اضطر مؤخرا إلى إثارته بطريقة خاطفة وسريعة وهامشية!
هل هناك حسابات سياسية خفية واعتبارات أمنية سرية لا يعرفها ولا يقدرها إلا بنكيران نفسه؟
هل يحاول ابن كيران ألا تطأ قدماه خيوط التماس عالية التوتر مع تيار الدولة الأمنية داخل المغرب، أو ما يصطلح عليه مؤخرا بالبنية السرية حسب تعبير الصحفي علي المرابط؟
هل يحاول عدم إغضاب جهة سياسية نافذة وتفادي الاصطدام معها؟ أم هي محاولة إرضاء تلك الجهة مع ترقب القادم من الأحداث؟ أم هناك أمور أخرى نجهلها؟
هل فقد مناضلو العدالة والتنمية القدرة على الكلام في شأن هذه المظالم والتراجعات الحقوقية إلى هذا الحد؟ وكأن ما يقع من اعتقالات ومحاكمات وانتهاكات لا تعنيهم في شيء، أو ليست من شأنهم، أو كأنها تقع خارج التراب المغربي!
كم من المفترض أن يصل عدد المعتقلين السياسيين بالمغرب حتى يصبح موضوع حقوق الإنسان مادة في خطابات ابن كيران؟ وضمن نضالات الحزب وأعضاءه.. وهنا استحضر قولة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عندما قال : “لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني الله: لم لم تعبد لها الطريق يا عمر!”، وأيضا لما حبسوا الإمام أحمد بن حنبل في السجن جاءه السجان، فقال: يا أبا عبد الله الحديث الذي روي في الظَّلَمة وأعوانهم صحيح؟ قال: نعم، قال السجان: فأنا من أعوان الظلمة؟ قال له: “أعوان الظلمة من يأخذ شعرك ويغسل ثوبك ويصلح طعامك ويبيع ويشتري منك، فأما أنت فمن أنفسهم”، وكذلك ما وقع لشيخ الإسلام ابن تيمية فى سجنه بسجن القلعة بدمشق حيث جاءه جلاده فقال : اغفر لي يا شيخ فأنا مأمور. فقال له ابن تيمية: والله لولاك ما ظلموا.
أفلا يكون الصمت عن كل هذا الظلم الذي لحق بكل هؤلاء المعتقلين السياسيين مشاركة في هذا الظلم؟
إلا أن الثابت والمؤكد من كل ذلك أن هناك تغييب ممنهج وغير مفهوم لمعضلة وقضية حقوق الإنسان والانتهاكات الآخذة في الارتفاع والتوسع في كل مداخلات وخطابات وخرجات عبد الإله ابن كيران!
في الحقيقة ليست لي الرغبة في الإجابة عن هذه الأسئلة لأنها تسبب لي وجعا فظيعا وألما عميقا .. ولا أريد أن أضع احتمالات وقراءات لا تغني شيئا، ولا تغير واقعا، ولا ترفع ظلما..