أنجز الفنان التشكيلي المغربي احمد بن يسف لوحة فنية تؤرخ لواقعة إعدام مقاوم مغربي بالقصبة بالقنطيرة من قبل الاستعمار الفرنسي في العام، 1911، وترسخ هذه اللوحة علاقة العمل التشكيلي عند بن يسف بالتاريخ المغربي. وأنجز أحمد بن يسف هذه اللوحة بطلب من مؤسسة “سيدي مشيش العلمي” وهي اللوحة الثانية التي ينجزها لذات المؤسسة.
وتحمل هذه اللوحة الجديدة للفنان التشكيلي أحمد بن يسف اسم “إعدام بالقصبة 7 مايو 1911″، و تصف اللوحة تشكيليا واقعة قيام قائد فرنسي بإعطاء الأوامر لفرقة من “جيش الكوم” وهو يمثل عناصر من الجيش المغربي الذي كان يعمل تحت إمرة القوات الاستعمارية الفرنسية، بإطلاق النار على مقاوم بمنطقة القصبة بمدينة القنيطرة الحالية وذلك في العام 1911
و يشبه عمل بن يسف هذا و هي لوحة زيتية عمل لوحة الفنان التشكيلي الإسباني فرانسيسكو غويا المعنونة ب” الثالث من مايو 1808″حيث تبدو قوات نابليون الفرنسية تطلق النار على احد المقاومين الإسبان .
ويستمثر بن يسف جملة من الإمكانات الفنية والجمالية لجعل اللوحة ناطقة بحس إنساني ودرامي فياض يتناغم والدسامة المأساوية للحدث من جهة، ومحتفية من ناحية اخرى بارتقاء قيم المقاومة والصمود، وهي ثنائية ستنضبط لها إيقاعات اللوحة الموضوعية والجمالية.
وكانت الموت المنبعثة من اجواء اللوحة جعلت التعاطف الإنساني للرسام مع الشخصية البطل المقاوم لا يجليها فقط في مسحة الحزن التي يعبق بها الحدث نفسه، بل في القرار الفني لابن يسف لسحب حمامته من مسرح الحدث في لوحته وهي التي تعد موضوعا فنيا ثابتا ملازما لكل اعماله الفنية.
ويتحول غياب الحمامة إلى حضور من نوع اخر يذكي في الكون التشكيلي المحتفي بحادث إعدام مقاوم بالقصبة، الاحتجاج الإنساني والفني والرمزي على الحدث. و يبرز بن يسف المقاوم في الساحة التشكيلية للوحة مشحونا بطاقة الصمود و الانتصار وهو يواجه بجسد ثابت ومنتصب رصاص الاحتلال في انتصار تشكيلي وفني وإنساني لافت لقيمة المقاومة.
ويسكن اللوحة إيقاع محتدم يجاري إيقاع الصراع بين قيم الموت والحياة، فبينما في المستوى الاول من اللوحة يعلن قائد عسكري فرنسي إنهاء حياة المقاوم، ثمة في الخلف معركة حامية الوطيس بين المقاومين وبين الاحتلال، تبدو وكأنها زاحفة على المشهد الثابت في المستوى الأول، و كأننا بالتشكيلي بن يسف يرغب في أن لا يكون القدر الموضوعي الحاسم في كون اللوحة الفني هو الموت الذي يقرره المستعمر، بل الحياة التي يعد بها المقاومون وهم يزحفون في معركة خلفية على جيش الاحتلال الفرنسي الغاشم في مركز ا للوحة.
روح الثورة في لوحة بن يسف لا تسكن أرض الفضاء الفني ولا شخوصه المقاومين فحسب، بل تستوطن السماء التي بدت هائحة مائجة تحاكي إيقاع الصراع المحتدم على الارض وتنتصر في غضب رمزي لأبناء الأرض، ويمعن بن يسف في وصلها بإلإيقاع الحركي على الارض وبقيمها الرمزية عبر توظيف الألوان حيث الأزرق والأبيض بتناوبان سواء في فضاء المعركة بالأرض أو في رحم السماء على إغناء التدافع الدرامي الساري في جسد اللوحة.
وتنضم لوحة “إعدام القصبة 7 مايو” لابن يسف لتراكم نوعا من العمل التشكيلي الذي تتناول احداث تاريخية وطنية وعربية ودولية ، مثل لوحات سابقة تناولت للمسيرة الخضراء وللقضية الفلسطينية، وللمقاومة المغربية ضد الاحتلال، واحتلال العراق في حرب الخليج، والانتصار فنيا لغزة في حرب إسرائيل على هذه الشبر من التراب الفلسطيني، إلى جانب أخرى مثل قضية منتصر الزايدي وكذلك البوعزيزي مفجر الثورة التونسية والربيع العربي .
وانجز بن يسف هذه اللوحة لمؤسسة “سيدي مشيشي العلمي”، وهي اللوحة الثانية له التي ينجزها لهذه المؤسسة تتناول أحداث تاريخية بارزة لمدينة القنيطرة. وتعتبر مؤسسة “سيدي مشيس العلمي” من ابرز المؤسسات المدنية الخاصة في المغرب التي تسثمر في الفن والثقافة والتنمية المحلية، وقررت هذه المؤسسة من أن تعيد الاحتفاء باحداث تاريخية للمدينة عبر لوحات تشكيلية كما هو الحال مع اللوحات التي يعدها بن يسف لهذه المؤسسة.