سعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى إجراء حوار مع الجزيرة في مبادرة منه لتخفيف التوتر في العالم العربي والإسلامي ومشاعر الغضب من سياسة باريس في الشأن الديني. وتقف عوامل متعددة وراء القرار الفرنسي منها غياب الدعم الغربي الذي يرغب في تفادي مواجهة دينية وإيديولوجية مع المسلمين علاوة على استحضار إرث الرئيس الراحل جاك شيراك في معالجته الذكية لمثل هذا الملفات.
وكان ماكرون قد تبنى موقفا متشددا في دفاعه عن الرسوم المسيئة لنبي الإسلام محمد في أعقاب العملية الإرهابية التي استهدفت المدرس صامويل باتي. وبعد التطورات التي تلتها ومنها عملية إرهابية جديدة خلفت مقتل ثلاثة أشخاص ثم مشاعر الغضب في العالم الإسلامي التي تهدد مصالح فرنسا، قام ماكرون بمحاولة تخفيف التوتر. واختار في هذا الصدد قناة الجزيرة لمخاطبة الرأي العام العربي والإسلامي، ولم يختر القنوات العربية التي يفترض أنها وقفت إلى جانب فرنسا ودافعت عن مصالحها.
وتبقى الرسالة الجوهرية التي وجهها ماكرون يوم السبت إلى العالم الإسلامي هي أن “الحكومة الفرنسية لا تقف وراء الرسوم بل هي صادرة عن صحافة مستقلة، وما حدث هو تحريف لتصريحاتي حول الموضوع”.
وتقف ثلاثة عوامل رئيسية وراء تغيير ماكرون خطابه من تبني الرسوم إلى الرهان على الحوار وهي:
أولا، رفض معظم الدول الغربية الوقوف إلى جانب فرنسا في هذه الأزمة التي تعتبرها مفتعلة ومتعمدة بسبب غياب النضج السياسي لا سيما في ظل انشغال الكل بجائحة كورونا فيروس. وقد ساندت الدول الغربية ماكرون في نزاعه مع تركيا وخاصة رئيسها طيب رجب أردوغان ونددت بالإرهاب. ولكنها في المقابل، أحجمت عن دعم موقفه المساند للرسوم المسيئة التي تسببت في الأزمة. وانتقدت جريدة لوموند موقف كندا الذي وصفته بالمبهم. وبدورها، كتبت مجلة إكسبرس بنوع من الانتقاد كيف تعمل ألمانيا على تفادي التورط في مثل هذه الأزمات، وقررت مثلا في الماضي تفادي الدخول مع أردوغان في سياسة تبادل الاتهامات.
ثانيا، بقدر ما نددت الدول العربية المعتدلة بالجرائم الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا بقدر ما نددت بموقف الرئيس ماكرون لدعمه العلني للرسوم المسيئة للنبي، حيث التقت الشعوب والأنظمة في موقف موحد تجاه باريس. وكان موقف الدول المعتدلة مثل الأردن والمغرب صدمة لباريس.
ثالثا، تفاجأت باريس من حجم مشاعر الغضب في العالم العربي والإسلامي ضد فرنسا ومصالحها التجارية والسياسية في ظل تفاقم الاحتجاج بعد صلاة الجمعة من الأسبوع الجاري.