تشهد عدد من الجامعات المغربية من حين لآخر أحداث عنف دموية بين فصائل طلابية، وصل مداها إلى “محاكم شعبية” وقطع الأيادي. الأوساط الجامعية والخبراء يدقون ناقوس الخطر، من تحوِل الجامعة من حقل لتخريج النخب إلى ميدان للعنف.
“لا يمكن الدراسة وسط هذا الجو المليء بالعنف وتهديد الطلبة، مع الأسف هذه المواجهات المستمرة تؤثر على الطلبة الذين أصبحوا يتفادون القدوم إلى الجامعة تجنبا لهذه المواجهات لأن الجميع يحس أن حياته مهددة ولا أرى أي فائدة مما يقوم به هؤلاء” يقول حمزة، وهو طالب تخصص علوم إنسانية بجامعة القاضي عياض بمدينة مراكش في تعليقه على المواجهات العنيفة التي تعرفها الجامعة بين طلبة “الفصيل الأمازيغي” والطلبة “القاعديين” الذي ينتمون للتيار الماركسي.
ولا تقتصر مخلفات المواجهات العنيفة على سقوط الكثير من الضحايا، بل إن الجو المشحون الذي تعرفه جامعة القاضي عياض، في مراكش، وعلى غرار جامعات مغربية أخرى، أصبح مصدر معاناة لعدد من الطلبة، سواء لتفشي أجواء التوتر في الحرم الجامعي أو لتوقف الدروس لفترات ناهيك عن المشاكل الصحية التي تسفر عنها أعمال العنف.
وهو وضع يبرره إبراهيم بوعام وهو طالب ينتمي للتيار القاعدي الماركسي تعرض لمحاولة قطع يده، بأنه “نضال من أجل مصالح الطلبة حتى يتم توفير الظروف المناسبة للدراسة وتحسين جودة التعليم الجامعي وإعادة الاعتبار للجامعة المغربية” لكن هذه المطالب غالبا ما تختفي، كي تطفو على السطح أسباب أخرى لهذه المواجهات: سياسية وإثنية بالدرجة الأولى، حتى أصبح مشهد الاعتداءات الجسدية ومحاولة الاغتيال هو السائد عوض الحوار وتبادل الأفكار.
من خلافات سياسية إلى تصفيات جسدية و”محاكم شعبية“
بداية الصدامات بين الفصيل الأمازيغي والطلبة القاعديين الماركسيين بدأ حسب ما صرح به إبراهيم بوعام لـ DWعربية “منذ سنة 2007 وذلك بسبب خلاف حول قضية الصحراء في المغرب والموقف منها حيث يقول الفصيل الأمازيغي بأن الصحراء هي جزء من وطن الأمازيغ الكبير بينما نحن نرى أن الشعب الصحراوي له الحق في تقرير مصيره. ومنذ ذلك الوقت والصراع على أشده وخلف عددا من القتلى وعمليات قطع الأيادي والأرجل” يقول إبراهيم، قبل أن يروي قصته مع محاولة قتله من طرف مجموعة من الطلبة: “كنت أجلس في مقهى الجامعة حتى فوجئت بمجموعة من الطلبة يحملون السيوف والعصي يتجهون نحوي فطعنني أحدهم في ظهري وحاول آخر ضربي على رأسي فاحتميت بيدي التي كادت أن تقطع ولم أدر كيف هربت منهم حتى ارتميت أمام قاعة الأساتذة مدرجا بالدماء”.
بعد هذه الحادثة التي يسترجع إبراهيم تفاصيلها بكل مرارة تم نشر بيان عن “المحاكم الشعبية الأمازيغية” تقول فيه “بأنها مسؤولة عن هذا الحادث وبأنها ستكون بالمرصاد لكل من يخالفها الرأي أو يتعرض للطلبة الأمازيغيين، حيث ستتولى تصفيته”، لكن الناشط في الحركة الأمازيغية أحمد عصيد ينفي بشدة أي صلة بين النشطاء الأمازيغ وهذه الأعمال العنيفة قائلا “لقد قمنا بتحرياتنا ووجدنا أنه لا علاقة للطلبة الأمازيغيين بهذه المسألة، كما أنه لا توجد في أدبيات الحركة الأمازيغية أي تحريض على العنف”.
وبرأي عصيد فان “الطلبة القاعديين هم من لهم عقيدة فكرية تؤسس للعنف الطلابي انطلاقا من نظرية العنف الثوري الماركسي والتي تبرر العنف ضد الآخر” موضحا أن “الطلبة الأمازيغيين قد اضطروا، في المواجهات الأخيرة، للدفاع عن أنفسهم أمام عنف القاعديين”.
وإذا كان نشطاء الحركة الأمازيغية يدينون العنف فإن إبراهيم بوعام يرى أن “المشكلة هي مع الحركة الثقافية الأمازيغية التي تتبنى خطابا متشددا ضد كل من لا ينتمي للثقافة الأمازيغية، وهم من يتبنَون مواقف متطرفة ضد المخالف لهم في الرأي”.
المتتبعون لأوضاع الجامعات المغربية، يرصدون بأن تطرف الخطاب والمواجهات الفكرية بين الطرفين، ينزلق نحو عنف جعل من بعض الجامعات المغربية مسرحا لصدامات دموية دون أن يعرف أحد متى سينتهي هذا الاقتتال الطلابي.
الجامعة المغربية من تخريج النخب إلى تفريخ العنف
“أصبحت الجامعة تعكس الانفصام الذي يعيشه المجتمع المغربي على المستوى الاثني وعلى مستوى الهوية، وهذا أمر خطير. لأن الطالب أصبح يؤمن بانعدام جدوى الإيديولوجية السياسية وعوض أن يدافع عن مبادئ الديمقراطية والحرية أصبح يدافع عن عرقه أو لغته”، يقول المحلل السياسي خالد الشيات مشيرا في الوقت نفسه إلى “التحول الخطير في دور الجامعة التي انتقلت من مكان لتخريج الكفاءات والنخب إلى مكان يلجأ له كل من انسدت أمامه جميع الأبواب”. رأي يوافق عليه أحمد عصيد في تصريحه لـ DWعربية بأن ” السبب في العنف في الجامعات هو عزل الجامعة من طرف السلطة وإفراغها من رسالتها العلمية والتنويرية”.
وأوضح عصيد قائلا:”كانت السلطة منزعجة من دور الجامعة منذ ستينيات القرن الماضي، وأدى حصار الجامعة إلى تفريخ العنف وإلهاء الفصائل الطلابية في الصراعات فيما بينها وصرفها عن الاهتمام بمشاكل البلاد وبمعارضة السلطة”. لكن الأمر المؤسف حسب الأستاذ خالد الشيات أنه “حتى مفهوم الفصيل الطلابي انتقل من الانتماء السياسي الفكري إلى الانتماء العرقي والقبلي وأصبحنا نجد الفصيل الصحراوي والأمازيغي وهذا يشكل خطرا على تماسك النسيج المجتمعي”.
السلطة هل لها يد في تأجيج العنف في الجامعات؟
إذا كان أحمد عصيد وكذلك إبراهيم بوعام قد اختلفوا في مسألة من المسؤول عن بدء المواجهات فإنهما يتفقان على أن السلطة لها يد في افتعال هذا الصراع وهذا ما عبر عنه أحمد عصيد بقوله ” العنف داخل الجامعة المسؤول الأول عنه هو السلطة، لأنها عندما تريد التخلص من بعض الطلبة تقوم بالتحريض على العنف من أجل إلقاء القبض على بعض الطلبة ومحاكمتهم محاكمات غير عادلة” وهو الأمر الذي أكد عليه إبراهيم بوعام ايضا عندما أشار إلى أن “الدولة تتغاضى عن المعتدين ولا تقوم بمتابعتهم قانونيا وتسجل الملفات دائما ضد مجهول، مع العلم أن المعتدين معروفون في أوساط الطلبة”.
لكن المحلل السياسي خالد الشيات يخالف هذا الطرح بشكل مطلق ويقول بأن “هذا تحليل غير مقبول لأن الدولة لا هدف لها من تأجيج الصراع في الجامعة، فهذه الفصائل لا تملك أية قوة في الشارع ولا شعبية لها حتى تهدد الدولة كما أنها لا تملك مشروعا سياسيا أو بديلا مقبولا لنقول أنها مزعجة للدولة. فهي ( الفصائل المتناحرة) لا تملك سوى خطابا عاطفيا لاستقطاب بعض الطلبة فقط” مضيفا فيس نفس السياق “يجب على جميع هذه الفصائل أن تراعي مصلحة الوطن ومصلحة الطالب المغربي”.