تسجل العلاقات المغربية الفرنسية توترا مستمرا بين البلدين، وهذا التوتر يحدث في وقت وجيز ما بين شهري فبراير ويونيو من السنة الجارية. ويبقى التساؤل ماذا أصاب العلاقات بين باريس والرباط في وقت كان كل طرف يتحدث عن مثاليتها وخاصة الجانب المغربي الذي منح للرئيس الفرنسي فرانسوا هولند البرلمان لتوجيه خطاب للنواب المغاربة؟ ولماذا عجز لوبي البلدين عن تحقيق التقارب وتجاوز الأزمة؟
وبدأت العلاقات بين باريس والرباط تتخذ طابعا جذريا بعدما ساد رأي في البدء بأن الأمر يتعلق فقط يسحابة صيف أو أزمة عابرة، لكن التوتر يتفاقم وكل مرة هناك رد فعل قوي من المغرب حول ملفات يعتقد بوقوف فرنسا وراءها.
ومنذ مجيئ الرئيس فرانسوا هولند وجعل الجزائر أول محطة لزيارته في المغرب العربي-الأمازيغي بدل المغرب، استشعرت الرباط ببدء تحول غير معلن في دبلوماسية فرنسا، لاسيما وأن الرئيس الفرنسي الأسبق الاشتراكي فرانسوا ميتران قاوم ضغوطا عند وصوله الى السلطة ولم يزر الجزائر كأول دولة بل المغرب.
وفي محاولة من المغرب لتحقيق توازن في دبلوماسية باريس الجديدة، لم يتردد في منح زيارة الرئيس هولند الى المغرب منذ سنة ونصف أعلى مستوى خاصة بعدما اقترح عليه إلقاء خطاب في البرلمان المغربي، وهو ما حصل.
وخلال الزيارة ولاحقا، أثنى المغرب الرسمي على فرنسا وقدمها بمثابة “الصديق التاريخي” و”الحليف الاستراتيجي”، وبعد مرور سنة تغير الخطاب الرسمي وأصبحت فرنسا الدولة الاستعمارية التي ترغب في إبقاء سيطرتها على المغرب بل والتي تتحالف مع الجزائر ضد المغرب.
ومنذ بداية السنة الجارية، بدأت العلاقات في تدهور مستمر، وأبرز حلقات هذا التدهور، تصريحات السفير الفرنسي في الأمم المتحدة بقوله المفترض بأن المغرب هو عشيقة يجب الدفاع عنها في الصحراء وإن لك نكن نحبها، تصريح يعود الى ثلاث سنوات ولكنه خرج للعلن خلال فبراير الماضي.
ويتجلى الحادث الثاثي في ملاحقة مدير المخابرات المغربية عبد اللطيف الحموشي بتهمة تعذيب مواطنين فرنسيين من أصل مغربي، وانضاف الى هذا إخضاع وزير الخارجية صلاح الدين مزوار لتفتيش دقيق في المطار خلال الشهر نفسه.
ويأتي الحادث الرابع في ترك الضابط السابق مصطفى أديب باقة ورد “رخيصة” ورسالة ذات مضمون قوي عند القاعة التي يخضع فيها الجنرال عبد العزيز بناني للعلاج في المستشفى الفرنسي فال دو غراس.
ووسط كل هذه التوترات، جرى تجميد التعاون القضائي، وتوقفت زيارات الوزراء بين البلدين تقريبا، وأصبحت فرنسا في الاعلام الرسمي المغربي بمثابة العدو، حيث حلت محل اسبانيا.
وكانت هناك لحظات معينة من التقارب لكنها لكن تؤدي الى أي نتيجة. وأبرز هذه اللحظات، الزيارة التي قام بها وزير الزراعة والناطق باسم الحكومة الفرنسية ستيفان لوفول الى معرض الفلاحة في مكناس خلال أبريل الماضي، ثم تواجد الملك محمد السادس في عطلة في فرنسا. ولم ينتج عنهما أي تقارب، إذ لم يحدث أي لقاء بين الملك والرئيس هولند في باريس خلال تواجد الأول في مقر إقامته شمال باريس، ولم تقع زيارات أخرى تلت زيارة وزير الزراعة الفرنسي.
وفي الوقت ذاته، كان الخبراء والطبقة السياسية يتحدثون عن لوبي فرنسي-مغربي قوي يعمل بمثابة صمام آمان ضد الأزمات التي تهدد العلاقات الثنائية بين باريس والرباط، لكن هذا اللوبي لم يستطع فعل شيء أمام الأزمة الحالية التي أصبحت تنتقل من سيء الى أسوإ.
وبهذا، ففرنسا التي قدمها الاعلام الرسمي ودبلوماسية الرباط حتى فبراير الماضي بمثابة الحليف الاستراتيجي بدأت تتحول الى العدو، ويحدث هذا في ظرف زمني محدود!