تحرز العلاقات السياسية والاقتصادية بين باريس والجزائر تقدما ملحوظا خلال السنة الأخيرة، وترغب كل دولة تدارك الوقت الضائع خلال العقد الأخير. وتريد فرنسا التقرب الى الجزائر مستغلة أزمتها المفتوحة مع المغرب للتحرر من تهمة الميل التاريخي للمملكة الشريفة ووقف زحف قوى اقتصادية مثل تركيا والصين في الجزائر.
وتراجع فرنسا علاقاتها الدولية بعدما أدركت مدى تأثر مصالحها ببعض المواقف السياسية. وتضع دولة الجزائر نقطة محورية لهذه التحركات في المغرب العربي والى جانب نيجيريا إفريقيا. وتأثرت مصالح فرنسا في الماضي بتحفظ الشركات الكبرى الاستثمار في الجزائر إبان التسعينات والسنوات الأوائل من العقد الماضي، وبانحيازها الى المغرب طيلة العقدين الأخيرين. وتكتبت جريدة الخبر الجزائرية اليوم رغبة فرنسا في تدارك ما خسرته في الماضي.
وقدمت باريس هدايا سياسية الى الجزائر لاستعادة موقعها الاقتصادي، فقد اختار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الجزائر وجهة أولى له في المغرب العربي بدل المغرب، وخلال زيارته قدم ما يشبه الاعتذار في خطاب أمام البرلمان الجزائري عن حقبة الاستعمار الفرنسي، والتزمت باريس للجزائر بتكوين أطرها بدل الاقتصار على الاستثمارات العادية والتبادل التجاري، ولم تعد باريس تدافع بحماس عن موقف الرباط من نزاع الصحراء في الأمم المتحدة.
وتطبق باريس مضمون وثيقة أعدها خبراء فرنسيون منذ سنوات باسم “ابن رشد”، توصي بجعل الجزائر الدولة المحورية في المغرب العربي بسببما تتوفر عليه من مصادر طاقة سيستفيد منها الاقتصادي الفرنسي.
وتؤكد أوساط سياسية في باريس أن استمرار الأزمة مع المغرب، وهو حليف تقليدي لفرنسا خلال العقود الأخيرة، حررت دبلوماسية فرنسا من الأخذ بعين الاعتبار مشاعر الرباط دائما على حساب الجزائر. وتستطرد موضحة “المغرب حليف لفرنسا وشريك هام، وإذا كان الرئيسان السابقان شيراك وساركوزي قد رهنا تطور العلاقات مع الجزائر بعدم المس بروح العلاقات مع المغرب ومنها الدفاع عن الموقف المغربي من نزاع الصحراء الغربية، فالإدارة الحالية في الشانزلزيه لم تعد تأخذ بهذا الشرط رهن الاعتبار”، وتضيف “شانزلزيه سيحافظ على علاقات جيدة مع المغرب دون أن ترهن تطور علاقاته مع الجزائر”.
وتجاري الجزائر فرنسا في اللعبة بغية الدفع نحو تغيير جذري لدبلوماسية الشانزلزيه نحو المغرب العربي تستفيد على حساب المغرب، فقد سهلت صفقات للشركات الفرنسية ورفعت من واردتها من فرنسا، وفتحت معها حوارا سياسيا وعسكريا حول تطورات الأزمة في مالي ومنطقة الساحل برمتها وليبيا، وتثني باريس على الجزائر وصرح وزير خارجيتها لوران فابيوس “لا يمكن حل نزاع مالي دون دور رئيسي للجزائر”.
وتفسح الأزمة بين فرنسا والمغرب بسبب ملفات قضائية معلقة حول تعذيب رعايا فرنسيين في المغرب الفرصة أمام تطور العلاقات الفرنسية – الجزائرية.