تابع المغاربة باهتمام كبير الانتخابات التشريعية الإسبانية، التي جرت الأحد ما قبل الماضي، وأسفرت عن نتيجتين رئيسيتين وهما فوز الحزب القومي المتطرف فوكس بالمركز الثالث ودخول اليسار الراديكالي الممثل في حزب بوديموس الائتلاف الحكومي رفقة الحزب الاشتراكي. وهناك تخوف من الآثار السلبية على مصالح المغرب كدولة، لاسيما في ملف الصحراء الغربية والمغاربة كمهاجرين في هذا البلد الأوروبي، بحكم انتعاش خطاب الكراهية ضد الأجنبي.
والجديد في المشهد السياسي الإسباني هو غياب الاستقرار، حيث شهدت البلاد انتخابات تشريعية أربع مرات منذ سنة 2015، بعدما انهارت القطبية التي تحكمت في البلاد طيلة الأربعة العقود الأخيرة منذ رحيل الديكتاتور الجنرال فرانسيسكو فرانكو، والالتحاق بنادي الديمقراطية الغربية، إذ تناوب على الحكم كل من اليمين المحافظ الممثل في الحزب الشعبي، ومن وجوهه البارزة خوسي ماريا أثنار، واليسار المعتدل الممثل في الحزب الاشتراكي، ومن أبرز أقطابه فيلبي غونثالث. فقد اقتحمت هيئات سياسية جديدة الساحة السياسية وأبرزها الحزب الليبرالي أسيودادانوس، والحزب القومي المتطرف فوكس واليسار الراديكالي المتمثل في حزب بوديموس، وهي ثلاثة أحزاب يقودها شباب من مرحلة ما بعد الانتقال الديمقراطي. وكما يتسبب هذا التغيير السياسي في تطورات على ما هو وطني إسباني، هناك تأثيرات قد تكون نسبية أو كبيرة على العلاقات الدبلوماسية أو الخارجية للدولة الإسبانية. ويحضر هنا المغرب في الحالتين، الداخلية والخارجية. ومرّد هذا إلى الصبغة التي يكتسبها المغرب في الحياة السياسية الإسبانية، حيث تحول ومنذ قرون إلى موضوع داخلي أكثر منه خارجيا بالنسبة للإسبان. فقط تأسست إسبانيا الحديثة عبر المراحل المتعددة لحروب الاسترداد، وتبلورت منذ سقوط غرناطة في مواجهة جارها الجنوبي الذي هو المغرب. وفي كل فترة زمنية، تظهر ملفات في علاقات شعبي بلدي ضفتي مضيق جبل طارق، تؤدي أحيانا إلى مواجهات حربية، ولهذا ليس من باب الغرابة أن معظم حروب إسبانيا وقعت مع المغرب، ومعظم حروب المغرب وقعت مع إسبانيا منذ القرن الخامس عشر حتى القرن الواحد والعشرين، ونستعيد الاختلاف الترابي السيادي حول جزيرة ثورة في مضيق جبل طارق صيف 2002 وكيف كاد أن يؤدي الى مواجهة عسكرية بين الطرفين. ويبقى التخوف المغربي من التطورات السياسية الإسبانية المتمثلة في فوكس المتطرف في المعارضة وبوديموس في الائتلاف الحكومي غير مبررة، على ضوء البراغماتية السياسية التي تتحكم في الأحزاب، خاصة عندما تمارس الحكم أو تقترب منه.
ويجري الحديث عن تأثير بوديموس على موقف إسبانيا من نزاع الصحراء، وهو الحزب الموالي لجبهة البوليساريو، الذي يطالب مدريد بالاعتراف بالجبهة كدولة. لقد صرح زعيم هذا الحزب بابلو إغلسياس بأن «التحاق بوديموس بالحكومة يعني التنازل عن بعض المواقف». وهذا يعني تخليه عن التطرف في المواقف الداخلية والخارجية ومنها الصحراء، فلن يتجاوز سقف دعم تقرير المصير، كما تنص عليه الأمم المتحدة، وهو موقف تتبناه حتى المؤسسة الملكية الإسبانية. وهذا يحيلنا على تجربة زعيم الحزب الاشتراكي الأسبق فيلبي غونثالث، الذي زار مخيمات تندوف سنة 1976 وتعهد بدعم البوليساريو، عندما يصل الى الحكم، ولكن بمجرد توليه رئاسة الحكومة ما بين سنتي 1982 إلى غاية 1996 أصبح براغماتيا ولم يتجاوز دعمه تأييد قرارات الأمم المتحدة في النزاع، بل تحول لاحقا الى أكبر مؤيدي الحكم الذاتي كحل لنزاع الصحراء.
ومن جهة أخرى، يعتبر بوديموس مكسبا للمهاجرين المغاربة، فهذا الحزب سيدفع نحو مشاركة المهاجرين في الانتخابات البلدية المقبلة، وسيستفيد أكثر من 740 ألف مهاجر مغربي من هذا القرار. كما يعد من أبرز المدافعين عن الصحة والتعليم للمهاجرين غير القانونيين ويطالب بتسوية أوضاعهم.
وترتفع الأصوات محذّرة من تأثير حزب فوكس على العلاقات المغربية -الإسبانية وعلى المهاجرين المغاربة، لاسيما بعد احتلاله المركز الثالث بـ52 مقعدا بعد الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي. بدأ فوكس في إحياء الأحكام المسبقة ضد المغرب وتصنيفه بالعدو على الهوية الإسبانية. لكن هذا الخطاب ليس جديدا، فهو نواة التفكير الاستراتيجي الدبلوماسي والعسكري الإسباني، وإن كان يأخذ صيغا لينة وغير عنيفة في الخطابات السياسية الرسمية. ويحتل المغرب ومنذ حقبة طويلة، أي قبل ظهور فوكس، صفة مصدر الخطر بالنسبة للرأي العام الإسباني. ويبقى تقدم فوكس هو استغلاله لبعض المشاكل في المناطق التي تقطنها الجالية المغربية مثل الأندلس ومورسيا. ولن ينتج عن التقدم الكبير لفوكس حملات ترحيل المغاربة، أو الحد من حقوقهم في هذا البلد الأوروبي، والكثير من الأمثلة تسعف في هذا الشأن، أصبحت الجبهة الوطنية في فرنسا قوة كبيرة، لكن وضع الهجرة المغاربية لم يتأثر كثيرا، بل أصبح عدد من المغاربيين يحتلون مراكز مسؤولية في أعلى هرم الدولة الفرنسية، ودفعتهم الجبهة الى مزيد من الوعي السياسي والانخراط في الحياة السياسية المباشرة، وسيتكرر هذا السيناريو في إسبانيا.
قد يؤدي موقف هذا الحزب أو ذاك الى توتر مؤقت في العلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد لكنه لن يؤدي الى تغييرات جوهرية. فقد شهدت العلاقات المغربية – الإسبانية تحولا رئيسيا منذ سنة 2008، تاريخ الأزمة الاقتصادية الكبرى، حيث تراجعت أهمية المغرب في المشهد السياسي الإسباني، وأصبحت الحكومات المتعاقبة والرأي العام المحلي يهتم بما هو سوسيو-اقتصادي أكثر من اهتمامه بالسياسة الخارجية. موقف بوديموس من الصحراء لن يرفع من رفاه الإسبان، ولن يحل حزب فوكس المشاكل الاقتصادية للمواطن الإسباني، فهذا الأخير كل ما يهمه في آخر المطاف هو ماذا سيستفيد اقتصاديا من هذا الحزب أو ذاك.