حققت الصين خلال سنة 2020 قفزة نوعية كبرى، جعلت المسافة بينها وبين الولايات المتحدة تتقلص بشكل مثير، وهذا يعمل على تسريع وتيرة حلمها بريادة العالم، خلال عقد الثلاثينيات بدل انتظار الأربعينيات. وساهمت جائحة فيروس كورونا بتسريع هذه الوتيرة.
وعمليا، تعد الحروب الكبرى والكوارث المفزعة مثل الجائحة والأوبئة، التي تنتشر على نطاق واسع، نقطة حساسة في تاريخ البشرية، حيث عادة ما تتحول الى منعطف فاصل بين مرحلتين، مرحلة الانهيار والتدهور، أو مرحلة القفزة النوعية والرقي والتقدم، لاسيما بالنسبة للدول الكبرى أساسا، بينما الصغرى ذات التأثير المحدود، تبقى دائما في دائرة الاستقطاب. ومع نهاية العقد الثاني وبداية الثالث من القرن الواحد والعشرين، يعيش العالم على إيقاع جائحة فيروس كورونا التي تحمل تأثيرات كبيرة في الأوضاع العالمية، تتجاوز مفهوم رصد أحداث السنة إلى ما هو أبعد، أي المنعطف الحقيقي منذ الحرب العالمية الثانية.
وعمليا، تعد الصين الدولة الكبيرة الوحيدة التي حافظت على اقتصادها من الانهيار طيلة سنة 2020، بل حققت نموا اقتصاديا يتجاوز 1%، في حين سجلت باقي الدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة تراجعا يتراوح ما بين ناقص 10 إلى ناقص 15، والأمر نفسه مع باقي الدول الأوروبية مثل بريطانيا. وهذا يترجم بنجاح بكين في تقليص الهوة الاقتصادية، في ما يخص الإنتاج القومي الخام مع واشنطن. إذ لم يعد الاقتصاد الأمريكي يتجاوز نظيره الصيني سوى بقرابة 27%. فقد ساعد هذا الوباء الصين على ربح ما بين خمس إلى سبع سنوات في مسيرة التنافس مع الولايات المتحدة، وهذا ما جعل الرئيس الأمريكي وشرائح في الولايات المتحدة ومنها، تيارات داخل الاستخبارات والجيش تعتقد في نظرية المؤامرة، أي وقوف الصين وراء تسريب الفيروس. ودائما في إطار الجائحة، تعتبر الصين الدولة التي قدمت المساعدات الى العالم من جهة، ووفرت المواد الطبية لمختلف الدول بما فيها دول غربية عبر «طريق الصحة» الذي شيدته بالموازاة مع «طريق الحرير». وحققت أكبر مشروع مارشال طبي في العالم لاسيما بعد قرارها، وكانت السباقة الى إنتاج لقاحات ضد الفيروس، وصلت إلى عشرة لقاحات، بعضها مرّ في مرحلة التطبيق مثل «سينوفارم» وبدأت بتلقيح شعبها منذ شهور. وريادة الصين في التوصل الى لقاح قبل باقي الدول الغربية مؤشر إلى هيمنتها المطلقة مستقبلا على الصناعة الطبية، وهي الهيمنة شبه المطلقة حاليا.
ووسط الجائحة، أعلنت الصين عن نتائج علمية مبهرة، فبينما العالم ما زال يناقش الجيل الخامس من شبكة الإنترنت، وتمنع دول غربية شركة هواوي من المشاركة في نقل هذه التكنولوجيا، أعلن علماء في بكين نجاحهم في بدء إنشاء الجيل السادس من الإنترنت وتطبيقه خلال الخمس سنوات المقبلة، وهذا يشبه ذلك الذي ما زال يستعمل المطبعة الميكانيكية، مع آخر يستعمل المطبعة الرقمية. وإلى جانب هذا، نجحت الصين خلال الجائحة في تثبيت الأقمار الاصطناعية الكاملة لنظام «بايدو» الذي سيصبح اختياريا الى جانب نظام «بي بي إس» الأمريكي. ثم نشرت المجلة العلمية «ناتير» خلال الشهر الجاري، المغامرة المثيرة علميا وهو إعلان علماء عن جعل الحواسيب ذات الاستعمال الشخصي، تعمل وفق نطاق «الكوانتيك» وهذا سيشكل ثورة علمية غير منتظرة، إذ سيصبح للإنسان حواسيب في مستوى تلك التي تستعملها وكالات مثل «ناسا» أو مثل إنسان يسافر في الزمن إلى الماضي، إلى الستينيات وهو يحمل حاسوبا تم تصنيعه في سنة 2020. وتصنيع مثل هذه الحواسيب خلال السنوات المقبلة، ووضعها في متناول مجموعات البحث العلمي في مختلف الجامعات، وكذلك الأشخاص وبأسعار مناسبة، كما عودتنا الصين، سيحدث ثورة في البحث العلمي شبيهة بالثورة التي حدث إبان الثورة الصناعية.
وخلال فترة الجائحة، قامت الصين بجلب صخور وتراب من القمر، وهي ثالث دولة تنجح في هذا المسعى، بعد الولايات المتحدة وروسيا. ولعل المفاجأة هي في رغبتها في إشراك باقي دول العالم، خاصة حلفاءها في اكتشاف الفضاء عكس الولايات المتحدة، التي تهمش حلفائها في الغرب، إذ بالكاد تنسق «وكالة ناسا» مع وكالة الفضاء الأوروبية. لقد حددت الصين سنة 2047 تاريخيا لريادتها للعالم، وهو التاريخ الذي يتزامن مع تولي الحزب الشيوعي الحكم في هذا البلد صاحب الحضارة الضاربة في الجذور. ووفق المعطيات الحالية، لاسيما بعد الجائحة وإيقاع التقدم الصيني في مختلف المجالات ومنها، انتقال الصين من إنتاج قومي لا يتجاوز 200 مليار دولار سنة 1980 الى ما يفوق 14 ألف مليار دولار حاليا، ثم الهيمنة في مجال الإنترنت، والتقدم المدهش في صناعة الأسلحة، فإن الصين تكون قد قلصت هذه المسافة. ويعتقد الكثير من الدراسات في ريادة الصين للعالم مع نهاية العشرينيات أو بداية الثلاثينيات أو على الأقل ستكون في مستوى الولايات المتحدة.
ولعل أكبر نجاح حققته الصين حتى الآن هو، خلق أكبر طبقة متوسطة في التاريخ تعد بأكثر من نصف مليار نسمة، هي الركيزة الأساسية لتطور البلاد. وحققت ما فشل فيه الاتحاد السوفييتي، إذ استطاع الحزب الشيوعي التوفيق بين الماركسية واقتصاد السوق، بدون حدوث فوارق صارخة في المجتمع. لكن الصين فشلت حتى الآن في الامتحان الرئيسي وهو منح الشعب الصيني الحرية وحقوق الإنسان.