تشهد إسبانيا الأحد المقبل انتخابات تشريعية استثنائية وسابقة لأوانها، ومن ضمن المواضيع التي استأثرت بالاهتمام بل المواجهة السياسية نزاع الصحراء، بين أحزاب تؤيد تقرير المصير وأخرى تكتفي بدعم مساعي الأمم المتحدة.
وعمليا، تعتبر إسبانيا دولة متوسطة لا تهم انتخاباتها كثيرا الحكومات العربية عكس ما هو مع فرنسا والولايات المتحدة وروسيا، ولكنها تهم دولتين وهما المغرب والجزائر، وذلك على خلفية مواضيع شائكة مثل الصحراء والهجرة والطاقة. إذ تهتم الجزائر بنوعية الحكومة لمعرفة مستقبل التعاقدات في مجال النفط وموقف مدريد من نزاع الصحراء. إذ يكفي أن الجزائر منذ سنة ونصف، قامت بسحب سفيرها من مدريد وتعليق اتفاقية الصداقة ثم تجميد فائض الغاز نحو السوق الإسبانية وتحويله الى إيطاليا بسبب دعم الحكومة الحالية الحكم الذاتي في الصحراء. وعادة ما تكون علاقات الجزائر جيدة في ظل حكومة يمينية في مدريد وسلبية مع حكومة يسارية.
في المقابل، يفضل المغرب حكومة اشتراكية لأنها الأقرب في تفهم موقفه من نزاع الصحراء وكذلك الهجرة الاستثمار. وكان رئيس الحكومة الحالية بيدرو سانشيز قد أبدى خلال مارس 2022 دعم الحكم الذاتي حلا لنزاع الصحراء.
وكان موضوع الصحراء من المواضيع الأكثر حضورا في البرلمان والجدل السياسي والإعلامي في إسبانيا طيلة السنة الأخيرة، وذلك بين معارضة تتهم الحكومة بتغيير موقف اسبانيا الكلاسيكي والتاريخي، وبين حكومة تعلن أنها براغماتية وتسعى فقط لتسهيل البحث عن حل يضع نهاية لمعاناة الصحراويين في مخيمات تندوف. ومن خلال مراجعة مختلف البرامج السياسية للأحزاب المشاركة في انتخابات الأحد المقبل، توجد المواقف التالية:
تؤيد الأحزاب القومية الإقليمية في بلد الباسك وكتالونيا وغاليسيا حق تقرير المصير حلا لنزاع الصحراء، وهذا ليس بغريب عن أحزاب سياسية لا تؤمن بوحدة إسبانيا بل تتعامل مع الحكومة المركزية في مدريد وكأنها قوة استعمار. ويشدد الحزب الجمهوري الكتالوني على تقرير المصير، وهو من القوى السياسية الرئيسية التي قادت استفتاء تقرير المصير في كتالونيا منذ ستة سنوات، وتسبب في أزمة سياسية ودستورية كبيرة.
على مستوى الأحزاب الوطنية، أي التي لديها تواجد وطني وتتقدم بمرشحين في مختلف الأقاليم، يتجنب حزب فوكس القومي اليميني المتطرف ذكر الصحراء في برنامجه الانتخابي، على الرغم من أنه في البرلمان كان من أشد منتقدي موقف رئيس الحكومة بيدرو سانشيز عندما أعلن تأييد الحكم الذاتي.
في المقابل، يشدد حزب سومار اليساري الراديكالي، وهو بشكل غير مباشر وريث حزب بوديموس اليساري المشارك في الائتلاف الحكومي حاليا، على تقرير المصير في نزاع الصحراء. وجاء في البرنامج “سنغير الموقف المعتمد في عام 2022 فيما يتعلق بالصحراء الغربية وسنستخدم جميع قنوات التأثير في الصراع لتقديم الدعم الكامل لحق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية ، داخل الأمم المتحدة ، وتعزيز عمل مينورسو ، وفي كل من المحافل الإقليمية والعلاقات الثنائية مع جوارها الجنوبي”.
ويؤكد الحزب الشعبي المحافظ المرشح لرئاسة الحكومة ما يلي في برنامجه الانتخابي ” “إسبانيا مجتمع أوروبي تدرك أنه على مدار أكثر من أربعين عامًا من الديمقراطية ، تمكنت الحكومات المختلفة من الحفاظ على توازن معقول بين المغرب والجزائر دون أن ننسى مسؤولياتنا تجاه الشعب الصحراوي “. وجاء ذكر النزاع في فقرة أخرى حول نوعية العلاقات المستقبلية مع دول المغرب العربي وتبرز “علاقة إسبانيا ستستند على الاحترام المتبادل والقانون الدولي. سندعم جهود الأمم المتحدة في الصحراء الغربية للتوصل الى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين”.
وأبرز الحزب الاشتراكي الحاكم موضوع الصحراء في برنامجه الانتخابي على الشكل التالي “فيما يتعلق بالصحراء الغربية ، سنواصل دعم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للتوصل إلى حل مقبول للطرفين في إطار الأمم المتحدة… سنواصل تقديم المساعدة الإنسانية للسكان الصحراويين في المخيمات ، كما فعلنا دائمًا ،علما أن إسبانيا تعد المانح الثنائي الرئيسي”. وتجنب الحزب الاشتراكي ذكر الحكم الذاتي في برنامجه، رغم أن رئيس الحكومة والأمين العام لهذا الحزب بيدرو سانشيز شدد على هذا الحل قبل أن يبدأ بتجنب الحديث عنه ولكن دون التملص من موقفه السابق.
ولأول مرة، سيكون نزاع الصحراء محددا هاما لمستقبل العلاقات بين إسبانيا والمغرب والجزائر بشكل لم يحدث من قبل. وتصر الجزائر أن إعادة العلاقات مع الحكومة المقبلة سيكون رهينا بالتراجع عن دعم الحكم الذاتي. ومن جانبه، سيرى المغرب أي تراجع عن دعم الحكم الذاتي موقفا عدائيا.