لم تبد الشخصيات التي توصف بـ “الوطنية” في الجزائر لحد الآن أي موقف حول الانتخابات الرئاسية المزمع إجرائها الربيع المقبل والتعديلات الدستورية التي يستعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة القيام بها قبل نهاية فترته الانتخابية الثالثة، والتزمت هذه الشخصيات (مجاهدين ومثقفين وبعض المسؤولين في الدولة سابقا) الصمت المطبق في كل ما تعلق بالشأن العام الجزائري، ويستمر غياب بعض الأسماء لأكثر من عشر سنوات، ولازال أنصارها يتحدثون عن دورها السياسي في تقرير مستقبل البلاد، فيما اختارت بعض الشخصيات العودة للساحة السياسية عن طريق جس نبض الناخب وحجم القبول الشعبي لها، عن طريق جمعيات ومنظمات جماهيرية وتنظيمات سياسية، والتي بدأت حملات الحشد والتأييد لهذا الشخص أو ذاك، دون أن يبدي المعنيون بالأمر النية أو الرغبة الواضحة في الترشح لرئاسيات 2014، وأخذت بعض هذه الحملات شكل الاستجداء للشخص من أجل الترشح لإنقاذ البلاد -حسب زعمهم- مثل ما حدث مع الرئيس السابق اليامين زروال.
الغموض ينفر ولا يحفز
ولم يساعد الغموض الذي يكتنف المستقبل السياسي للرئيس بوتفليقة، هذه الشخصيات للخروج من قوقعتهم، وطرح مشاريعهم السياسية أمام الرأي العام، بل زاد من إحجامهم وعزوفهم عن الانخراط في المعترك السياسي “المجمد”، ويقول أحد المقربين من مولود حمروش، المترشح السابق لرئاسيات 1999، بأن غموض خيارات السلطة في الاستحقاق القادم حجة كافية لصمت أي شخصية تعرف جيدا دواليب ومسارات صناعة الرؤوساء في الجزائر”، وبذلك سيبقى شعار هؤلاء، خاصة في الفترة الراهنة إلى غاية صعود الدخان الأبيض أو الأسود من
مقر رئاسة الجمهورية، “إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”.
الضمانات أو الانعزال
ويعتقد إلياس بوملطة، الصحفي بجريدة النصر، بأن شخصيات وطنية بحجم علي بن فليس ومولود حمروش، بوعلام بن حمودة ومقداد سيفي و..، لن تغامر ما لم تضمن مسبقا فوزها في الانتخابات أو على الأقل حصولها على ضمانات قوية بإقامة انتخابات شفافة، وهذا ما يمكن قراءته في رفض بن فليس الحديث للإعلام رغم اللغط الكبير الذي أحدثه أنصاره ويضيف بوملطة لـDWعربية، بأن “شخصيات كثيرة تبوأت مناصب المسؤولية في الدولة لازالت تبحث عن دور لها بدعم السلطة وليس الشعب، وهذا ما يفسر لماذا تحجم عن أخد دورها رغم وجود الظرف المحلي والدولي المناسب لإثراء الساحة السياسية بأفكار وبرامج قد تخرج البلاد من الأحادية السياسية والإعلامية التي تعيشها منذ زمن بعيد”.
ويرى عبدالرزاق بوالقمح الصحفي بجريدة الشروق اليومي بأن موقف هذه الشخصيات السلبي من الأحداث التي تعرفها البلاد ليس بجديد فهي “عادة سياسية جزائرية” بامتياز، ولكن عندما نعرف أن أغلب من تنسب لهم هذه الصفة هم رؤساء حكومات أو وزراء سابقين يتضح أنهم في النهاية نتاج منظومة حكم مغلقة تقوم على الولاء لأجنحة في السلطة، وهم لا يتحركون إلا بناء على ما يرونه خطوة ذات جدوى للتأثير في مجرى الأحداث، ويضيف بوالقمح لـDW عربية: “أبناء هذا النظام لن يتحركوا إلا بإيعاز منه، وكل المعطيات المتوفرة لديهم تجعلهم في حالة ترقب وتودد لصناع القرار، وبالتالي فإنهم لن يستطيعوا الخروج عن الدور الذي اسند لهم”.
شخصيات بخلفيات رجال السلطة
ويستغرب بوالقمح من أولئك الذين ينتظرون خطوات ومواقف ضد السلطة القائمة من شخصيات ليس لها أي مسار نضالي أو عمل حزبي، وحملوا صفة “الشخصيات الوطنية” لمجرد تعينهم في مناصب سامية بالدولة، ويضيف الصحفي بالشروق اليومي: “لا يمكن أن ننتظر من شخصيات عملت ضمن قواعد لعبة سياسية، لازالت قائمة إلى حد الآن، الدخول في مواجهة أو القيام بأي تحرك سياسي للضغط على السلطة وفرض خيارات معينة عليها”. يشير بوالقمح إلى أن أكبر ما يمكن أن تقوم به هذه الشخصيات، التي يتم تداول أسمائها إعلاميا، “هو التخندق مع احد أطراف الصراع داخل هرم السلطة والتعبير عن مصالحه”، وهذا طبعا لن يصب في خدمة الخيار الشعبي والتداول السلمي على السلطة.
الدور يحدد المكانة
ويرجع الإعلامي والمحلل السياسي محمد مسلم سبب الصمت الذي تنتهجه الشخصيات الوطنية في الجزائر إلى غياب قواعد واضحة للعبة السياسية منذ الاستقلال، ويضيف مسلم لـDW”بأن السلطة تحكم قبضتها على كل جوانب الحياة السياسية، وهناك قناعة لدى هذه الشخصيات- اللذين كانوا رجالها في وقت من الأوقات- بأن من لم ترض عنه الحكومة الخفية لن يصل إلى سدة الحكم مهما كانت كفاءته وشعبيته الجماهيرية”، ويرى مسلم بأن الشخصيات السياسية الوطنية لن تستطيع أن تلعب أي دور في المجتمع خارج الاطار الذي ترسمه لها السلطة مسبقا، وحتى بالنسبة للشخصيات المعارضة التي تريد التمرد على هذه القواعد يتم استدراجها سواء لتشويه صورتها أو شراء ذمتها بالمناصب والأموال. ويسوق مسلم مثال المرحوم عبدالحميد مهري الذي رفض الانصياع لضغوط السلطة فتم إقصائه، رغم ما يمثله من الحكمة والإجماع حول شخصه من كل التيارات السياسية في البلاد.
ويحمل أحد مستشاري علي بن فليس، المرشح المحتمل لرئاسيات 2014، مسؤولية الوضع للأحزاب السياسية على تعدد انتماءاتها وتموقعاتها، لأن الحراك السياسي يقع على مسؤولية هذه الأحزاب وليس على الشخصيات الوطنية، ويضيف المستشار -الذي رفض الكشف عن هويته- أن “الإفلاس السياسي مسَّ جميع المؤسسات الرسمية والحزبية في البلاد، وما تقوم به بعض الشخصيات هو لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وسط الخراب والفساد الذي التهم كل مقدرات البلاد المادية والبشرية