يزحف اليمين المتطرف بوشاحه الأسود بشكل متعاظم على المشهد العام الفرنسي، وأصبح حضوره يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي الذي نعم به بلد الأنوار سنوات وعقود. فاستخدامه للعنف، وتبنيه لخطاب عدائي، يجعل الحياة العامة كل مرة تبدو تغلي على صفيح ساخن. ولعل تورط أعضاء منه في اغتيال طالب يساري بجامعة فرنسية هذا الاسبوع، ثم الدعوة إلى مسيرات عنصرية يطبعها عادة العنف والتحرش ب”خصومهم”، لتخليد ذكرى معركة ضد المسلمين في تقصد واضح للأقليات المسلمة بفرنسا ضمنهم المغاربة، جعلت حكومة البلاد وقواها السياسية والاجتماعية تبادر إلى الدعوة للتعاطي بحزم مع هذا التهديد المنبعث من بقايا الفاشية والنازية الاوروبيتين، الذي يتربص ليس بفرنسا وحسب، بل بأوروبا كلها الغارقة في تدبير مخرج لتحديات الأزمة الاقتصادية والعطالة
انتعاشة اليمين المتطرف
وبات واضحا الانتعاشة اللافتة لليمين المتطرف في فرنسا، فقد صُدمت البلاد من مقتل ناشط يساري بباريس يوم الخميس من الأسبوع الجاري بعض تعرضه لضرب عنيف من قبل مجموعة حليقة الرؤوس اليمينة المتطرفة. وأدانت السلطات الفرنسية وأحزابا محلية الاعتداء، واعتبرتها قوى اخرى قنبلة موقوتة تهدد السلم الاجتماعي والديمقراطية.
وفي عقب ذلك تعهد وزير الداخلية الفرنسي منويل فالس بالتعاطي بحزم وقوة مع العنف ومع القوى اليمينية المتطرفة التي تصرفه في المجتمع. ونقلت عنه وسائل الإعلام الفرنسية قوله أن العنف الذي استعمل ضد شاب:” يعتبر هجوما صارخا على الجمهورية الفرنسية باكملها”.
الاقليات المسلمة على قائمة الاعداء المعلنين لدى اليمين المتطرف
وفي سياق رد فعل أولي على هذه القوى اليمينية المتطرفة، قررت السلطات الفرنسية منع مسيرات لشباب ينتمون إلى تيار اليمين المتطرف كانت مقررة أمس بمدينة تولوز بجنوب البلاد لتخليد ذكرى معركة ضد المسلمين تعود للقرن الثامن الميلادى، وسعت من خلال ذلك المنع إلى تفادي مصادمات خصوصا ان تظاهرات اليمين المتطرف تتبنى العنف وتتحرش “بمن تصفهم أعداءها”.
وتشكل الاقليات المسلمة في فرنسا واحدة من ” الأعداء المعلنين على اجندة” اليمين المتطرف، التي تتربص بهم في تظاهراتها وخطاباتها وتحرشاتها العنصرية أيضا.
دواعي الانبعاث ومظاهره
ولعبت عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية، في عودة انبعاث قوى اليمين المتطرف من بقايا القوى الفاشية والنازية التي انهارت بعد الحرب العالمية الثانية، وتبقى أبزرها:
تداعيات الأزمة الاقتصادية والعطالة، والتوظيف السياسي والحزبي للازمة، ثم تقدم احزاب يمينة متطرفة على الخريطة السياسية. فحزب ماري لوبين بات القوة الثالثة في البلاد وحصلت هي على خمس الأصوات في الانتخابات الأخيرة، بل اعتبرت أيضا بنشاطها اليميني اول امراة تحظى بشعبية في فرنسا.
ويبقى التحدي الأكبر هو وصول هذه القوى اليمينة المتطرفة غير التقليدية إلى المؤسسات التشريعية وصنع القرار، كما حصل في بلدان أوربية اخرى خصوصا في اليونان. وقد تكون جبهة اجتماعية مقلقة أمام سلطات المجموع الاوروبية بعد الازمة الاقتصادية التي استنزفت كل اهتمامها.
تعاظم القلق وأسئلة المواجهة
ويبحث الرأي العام الفرنسي والقوى السياسية، في ظل استبداد القلق بهم من تعاظم بروز هذه الظاهرة الاجتماعية، إمكان حل كل القوى الاجتماعية التي تستخدم العنف وفي مقدمتها اليمين المتطرف، ويقود هذا النقاش كبريات وسائل الإعلام الفرنسية التي تقاسمت كلها اليوم عناوين بارزة منها ” هل يجب حل كل القوى المتطرفة في فرنسا”؟ ويعكس هذا العنوان حجم القلق الذي بات ينتاب المجتمع الفرنسي بطبقاته السياسية والاجتماعية وبكل فاعليه.