الذكاء الاصطناعي أول هزيمة لترامب أمام الصين وسباق لتوظيفه في حروب المستقبل
لندن-القدس العربي من حسين مجدوبي
رغم توجه العالم نحو تعدد القطبية، إلا أنه في صراع الذكاء الاصطناعي يكاد الأمر ينحصر الآن وخلال السنوات المقبلة على بلدين وهما الولايات المتحدة التي تحاول الريادة والصين التي تهدد عرشها ووجهت لها إنذارا حقيقيا ببرنامج أو تطبيق “ديك سيك” الذي يتسبب في هزة في العالم الرقمي. ومن أخطر مظاهر الذكاء الاصطناعي هو الاستعمال والتوظيف العسكري في الحروب مستقبلا، الأمر الذي يدفع الى تعاطي واشنطن معه وكأنه سلاح نووي لا يمكن للجميع الحصول عليه.
صراع بكين وواشنطن
ومنذ سنوات، يقفز بين الحين والآخر حدث يبرز الصراع الجاري في المجال الرقمي والإنترنت عموما بين واشنطن وبكين وخاصة قرارات الولايات المتحدة بمحاربة الصين تحت يافطة “الحد من القرصنة الصينية”. ومن أبرز هذه الأحداث قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى بالحد من استفادة شركة هواوي من برنامج أندرويد وبعض الرقائق التي تدخل في الصناعة الدقيقة، ثم اتفاق الغرب على عدم منح هذه الشركة إقامة تجهيزات الجيل الخامس من الإنترنت. وتفاجأ العالم منذ أسبوعين بقرار المحكمة العليا في الولايات المتحدة بحظر تطبيق/برنامج تيك توك لانعكاساته الخطير على الأمن القومي الأمريكي. ويبقى آخر حادث هو الزلزال الذي أحدثه تطبيق الذكاء الاصطناعي الصيني ديب سيك الذي تسبب في بداية الأسبوع الجاري في مئات الملايير من الدولارات كخسائر لمختلف الشركات العملاقة العاملة في المجال الرقمي سواء المصنعة لبعض المعدات التي تدخل في التكنولوجيا الدقيقة مثل نفيديا أو التي تطور الذكاء الاصطناعي مثل غوغول وميكروسوفت وميتا ضمن أخرى. ومن المفارقات الكبرى أن الولايات المتحدة والشركات الكبرى خصصت 500 مليار دولار للاستثمار في الذكاء الاصطناعي لتعزيز الريادة في العالم، وكانت المفاجأة أن شركة واحدة التي هي نفيديا تكبدت خسائر ب 600 مليار دولار بداية الأسبوع الجاري بعد ظهور برنامج ديب سيك الصيني. أصبح العالم يتحدث عن التطبيق الصيني بعدما كان الجميع طيلة الشهور الأخيرة يتحدث عن برنامجي جيريمي التابع لغوغل وتشاب جبتي التابع لمايكروسوفت.
وكتبت نيويورك تايمز يوم الثلاثاء من الأسبوع الجاي “قبل عامين، عندما كانت شركات التكنولوجيا الصينية الكبرى مثل بايدو وعلي بابا تطارد التقدم الذي أحرزه وادي السيليكون في مجال الذكاء الاصطناعي بإعلانات براقة وروبوتات دردشة جديدة، اتبعت شركة ديب سيك نهجاً مختلفاً. فقد ركزت على البحث. وقد آتت الاستراتيجية ثمارها. فقد هزت الشركة الصينية الناشئة عالم التكنولوجيا بادعائها أنها ابتكرت نموذجاً قوياً للذكاء الاصطناعي (AI) أرخص بكثير من عروض منافسيها الأمريكيين الأفضل تمويلاً”.
ويبقى جوهر المفاجأة الذي أحدثه تطبيق ديب سيك هو ابتكار نموذج ذكاء اصطناعي قوي للغاية باستثمارات أقل أقل بكثير مما كان يعتقده العديد من خبراء الذكاء الاصطناعي ، وهذا ما أثار مجموعة من التساؤلات، بما في ذلك ما إذا كانت الشركات الأمريكية قادرة على المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي مستقبلا. وعموما، هذا النموذج يهدد الريادة الأمريكية في المجال الرقمي، إذ لم تعد تحقق السبق الآن في ثلاثة مجالات، صناعة الحواسيب التي تفوقت فيها الصين حيث أن هذا البلد يسيطر على نسبة عالية من السوق العالمية، ثم الانتقال من الجيل الرابع من الإنترنت الى الخامس وفي ظرف أربع سنوات قد تنتقل الى الجيل السادس مسجلة سبقا حقيقيا عن الغرب، الآن تنتقل الى الذكاء الاصطناعي بتكلفة أقل ونتائج أحسن بكثير.
المجال العسكري
من ضمن أسباب السباق في مجال الذكاء الاصطناعي ليس البحث عن المعلومات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي لأن عمليا هذه الميزة موجودة، وإن كانت أقل درجة، لدى محركات البحث مثل غوغل، وإنما الاستعمال في المجالات الحساسة التي ليست في متناول الجميع مثل الأبحاث الطبية وأساسا توظيفه في المجال العسكري، مما يفتح المجال أمام نوع جديد من التسلح والحروب.
ورغم توجه العالم نحو قطبية متعددة إلا أن الصراع يقتصر على بلدين وثالث يحاول اللحاق. في هذا الصدد، توجد ثلاثة مشاريع حقيقية في هذا المجال وهي: برنامج البنتاغون الأمريكي الذي أعطى الأولوية للذكاء الاصطناعي من خلال مبادرات مثل مشروع Maven والمركز المشترك للذكاء الاصطناعي (JAIC). وبدورها تركز الصين على إدماج الذكاء الاصطناعي في خطط التحديث العسكري، وتهدف إلى أن تصبح رائدة عالميًا في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030. ومن جهتها وبدرجة أقل، تتواجد روسيا التي تستثمر روسيا في الذكاء الاصطناعي للأسلحة ذاتية التشغيل والحرب السيبرانية، مع التركيز على تكتيكات الحرب غير المتكافئة. وتوجد مشاريع أخرى ولكنها نسبية مثل تعود لدول أوروبية وكوريا الجنوبية ثم الكيان الإسرائيلي. وتتجلى أهمية الذكاء الاصطناعي في الحروب في أنه لا يؤدي دمجه في القوات المسلحة إلى تحسين فعالية أنظمة الأسلحة الحالية فحسب، بل يتيح تحليل البيانات واتخاذ قرارات أكثر فعالية. ويمكن إبراز دور الذكاء الاصطناعي في الحروب فيما يلي:
– حرب المعلومات: استخدام الذكاء الاصطناعي في نشر المعلومات المضللة أو التلاعب بالرأي العام أو القيام بعمليات نفسية، وهذا يعطي مستوى أعلى للبروباغاندا. وتعتبر واشنطن أن تيك توك توك سلاح ضمن منظومة الذكاء الاصطناعي الصيني، ولهذا أصدرت المحكمة العليا حظره باسم الدفاع عن الأمن القومي.
– الأسلحة ذاتية التشغيل: الطائرات بدون طيار والروبوتات والأنظمة الأخرى القادرة على العمل دون تدخل بشري. ويتابع العالم الآن كيف تشارك المسيرات في الحروب مثل الحرب الروسية-الأوكرانية والإسرائيلية-الفلسطينية.
– الحرب السيبرانية: أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي للقرصنة وتعطيل أنظمة العدو والدفاع ضد الهجمات الإلكترونية. وتعتبر روسيا رائدة في هذا المجال، حيث يعتقد أنها طبقت الذكاء الاصطناعي بمهارة في مهاجمة دول البلطيق.
– المراقبة والاستطلاع: أقمار صناعية وطائرات بدون طيار وأجهزة استشعار مدعومة بالذكاء الاصطناعي لجمع المعلومات الاستخباراتية في الوقت الحقيقي. وهذه الميزة كانت متواجدة لأن الأقمار الاصطناعية تعتبر ضمن المراحل الأولى للذكاء الاصطناعي، إلا أنها الآن حققت قفزة نوعية.
– أنظمة اتخاذ القرار: خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتقديم توصيات استراتيجية للقادة العسكريين. إذ تحول الذكاء الاصطناعي الى ما يشبه المسؤول الذي يحضر الاجتماعات للمشاركة في اتخاذ القرارات العسكرية.
في غضون ذلك، جاء ترامب حاملا مشعل تقليص النفوذ الصيني في العالم والحد من التقدم العملي لهذا البلد من خلال حظر المنتوجات الرقمية والإلكترونية الأمريكية الدقيقة التي تدخل في صناعة كل ما يتعلق بالرقمي. وأعلن بداية الأسبوع الماضي في البيت الأبيض بحضور مدراء الشركات الكبرى في الذكاء اصطناعي عن برنامج “ستار غيت” بكلفة 500 مليار دولار لضمان التفوق الأمريكي في هذا المجال، وبعد مرور أقل من أسبوع تأتي المفاجأة المدوية من تطبيق ديبسيك الصيني بفلسفة جديدة وتصور استثماري جديد بعشرات لملايين من الدولارات فقط. إنها أول هزيمة حقيقية لترامب أمام الصين.