الحمولة الجيوسياسية للاتفاق السعودي – الباكستاني

صورة معبرة عن الاتفاق العسكري السعودي الباكستاني

وقعت العربية السعودية وباكستان اتفاق دفاع عسكري مشترك، وهذا الحدث الذي جرى منذ أسبوعين تقريبا، يعتبر مؤشرا على نوعية السلاح الذي تحتاجه منطقة الشرق الأوسط، ثم نوعية الاتفاقيات الدفاعية مع أطراف ثالثة، التي قد يتم توقيعها مستقبلا بعيدا عن هيمنة الغرب.
في هذا الصدد، جرى التوقيع على الاتفاقية يوم 17 سبتمبر/أيلول الجاري في العاصمة الرياض، بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف. ويبقى العنوان البارز للاتفاقية، هو أنها تنص على أن أي اعتداء على أحد البلدين يعتبر اعتداء على كليهما، ويتطلب الدفاع المشترك، بمعنى خوض حرب ضد المعتدي. في الوقت ذاته، تعني الاتفاقية تطوير التعاون الدفاعي بين البلدين، وتعزيز الردع المشترك، ضد أي تهديد أو اعتداء يهددهما، أو يهدد فقط واحدا من الاثنتين.
عمليا، تعتبر هذه الاتفاقية براغماتية، وهي من الخطوات العسكرية الصحيحة والصائبة التي أقدمت عليها العربية السعودية منذ عقود في المجال العسكري، وإن كانت الظروف في الماضي لا تسمح بهذا النوع من الاتفاقيات، نظرا لمحدودية القدرة العسكرية الباكستانية آنذاك، لماذا تعتبر صائبة وبراغماتية؟

يمكن الجواب في شقين متكاملين، الأول هو، أن العربية السعودية تحالفت مع دولة تشترك معها في نوعية مصدر الخطر الإقليمي، ونعني إسرائيل. وتعتبر الرياض وإسلام آباد إسرائيل عدوا، بسبب السياسة التوسعية للكيان، وهو ما ظهر جليا في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، وحلم إقامة إسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر، حسب تصورات المتطرفين الدينيين المشاركين في السلطة بزعامة بنيامين نتنياهو. وتعتبر اتفاقية الدفاع السعودية مع الولايات المتحدة من دون جدوى، لأن مصدر الخطر الحقيقي على السعودية هو إسرائيل، وليس روسيا أو الصين، بل حتى إيران، بينما تعتبر واشنطن أكبر حليف وأكبر مساند للكيان. إن مصدر الخطر المشترك هو جوهر اتفاقيات الدفاع بين الدول. ومن ضمن الأمثلة، تعتقد كل دول الحلف الأطلسي خاصة الغربية، إذا استثنينا تركيا أن مصدر الخطر الحقيقي هو روسيا بالدرجة الأولى ثم الصين في الدرجة الثانية، وقد تصبح الأولى مستقبلا. وعليه، فإن مصدر الخطر المشترك سيكون المحدد الرئيسي لاتفاقيات الدفاع بين دول الشرق الأوسط مستقبلا. ونتيجة هذا، قد تبحث الدول الخليجية ودول الشرق الأوسط عن اتفاقيات دفاعية مع باكستان وتركيا وربما إيران مستقبلا. ومن مؤشرات التعاون العسكري الإقليمي، أي الدفاع المشترك، الناتج عن حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول وكيف تحولت إسرائيل مجددا إلى مصدر الخطر للجميع، هو استئناف مصر وتركيا منذ أسبوع التعاون العسكري على مستوى المناورات العسكرية، وربما سينتقل الى التصنيع. هذه الاتفاقية حملت إنذارا للولايات المتحدة بأن ضماناتها العسكرية أقل موثوقية بالنسبة لدول المنطقة، وهذا سيشجع هذه الدول على البحث عن ترتيبات أمنية بديلة، ما سيقلل من نفوذ الولايات المتحدة، أو يجبرها على الانخراط بشكل أكثر مباشرة أو تقديم وعود جديدة وجدية.
في الوقت ذاته، تأتي اتفاقية الدفاع المشترك السعودية – الباكستانية، لتؤكد استفادة العربية السعودية من المظلة النووية الباكستانية، علما أن الرياض ساهمت ماليا في تطوير البرنامج النووي. وتصبح السعودية هي أول دولة عربية تحظى بالدفاع النووي. وهذا الجانب يثير حفيظة الغرب وإسرائيل. ويطرح اعتماد العربية السعودية على اتفاقية الدفاع مع باكستان مجددا، تساؤلات حول ما هو جدوى التسلح العربي اعتمادا على الغرب. وتخصص الرياض ميزانيات ضخمة للتسلح، وتجد مشاكل حقيقية في اقتناء أسلحة متطورة ومن دون شروط، ذلك أن واشنطن لا تريد تسليح أي دولة عربية، بما يشكل تهديدا للأمن القومي الإسرائيلي. تفتقر غالبية الدول العربية لأسلحة استراتيجية، أهم ما تمتلكه هو مقاتلات أمريكية من نوع إف 16 أو إف 15 والرافال الفرنسية، إلا أنها مقيدة بشروط الاستعمال والتحكم عن بعد، وأساسا استحالة استعمالها ضد إسرائيل. في المقابل، تبرز باكستان ومنذ التخلص من الصفقات العسكرية مع الولايات المتحدة والغرب عموما، باستراتيجية ذكية سمحت لها بتطوير سلاحها النووي وطورت صناعة صواريخ متقدمة، علاوة على التعاون في التصنيع العسكري مع الصين. هذا النوع من التسليح والتصنيع سمح لباكستان بضمان مستويات عليا لأمنها القومي، لاسيما من الجانب العسكري، والآن تساهم في تأمين أمن دول أخرى. وهذا ما بدأت تؤمن به الدول العربية في الشرق الأوسط، أي النموذج الباكستاني والإيراني، غير المقيد من طرف دول غربية وغير المرتبط بدول تجعل من أمن إسرائيل أولوية الأوليات على حساب أمن دول المنطقة. ومن ضمن الأمثلة، لو اندلعت حرب بين السعودية وإسرائيل، حتما ستقف واشنطن الى جانب الكيان رغم ما يجمعها من اتفاقيات دفاع مع الرياض.
ستدفع الاتفاقية بين السعودية وباكستان عددا من دول المنطقة، خاصة الكبرى منها وكذلك دول أخرى في العالم إلى البحث والسعي لامتلاك أسلحةٍ نوعية واستراتيجية، وعلى رأسها الصواريخ، بما في ذلك الصواريخ فرط – الصوت، بالإضافة إلى الحصول على كميات كبيرة من الطائرات المسيرة بمختلف أنواعها. ومن المرجح أن يُفضي ذلك إلى تغيير جيوسياسي في أنماط التسلح، يعتمِد بشكل متزايد على استراتيجيات جديدة ومواكبة للتصنيع المحلي للتخفيف من الاعتماد على شروط الدول الغربية. إن الاتفاق السعودي – الباكستاني يتميز بحمولة جيوسياسية كبيرة بشأن نوعية اتفاقيات الدفاع مستقبلا في الشرق الأوسط ونوعية الأسلحة النوعية التي تبحث عنها ابتداء من الآن.

Sign In

Reset Your Password