في ظل الحديث عن عودة الحرب الباردة بين روسيا والغرب، تحتضن دول جنوب أوروبا اسبانيا والبرتغال وإيطاليا أكبر المناورات العسكرية لمنظمة شمال الحلف الأطلسي منذ نهاية الحرب الباردة وتحمل اسم 2015 Trident Juncture ، وذلك بمشاركة 36 ألف من الجنود وعشرات الطائرات المقاتلات. ويتعلق الأمر بسيناريو تهديد يمس الغرب ودول صديقة ليست عضوا في الحلف انطلاقا من قوة عسكرية كبرى من جنوب البحر الأبيض المتوسط والمغرب العربي.
وتبدأ هذه المناورات يوم السبت المقبل وستمتد الى شهر نوفمبر المقبل وسيكون مسرحها الرئيسي اسبانيا والبرتغال ثم لاحقا إيطاليا. ووفق المعطيات المتوفرة فهي تعتبر ضمن الأضخم من نوعها بعد نهاية الحرب الباردة بعد سقوط جدار برلين. وتشارك فيها 30 دولة وبعض الدول المراقبة مثل فلندا وكولومبيا والبرازيل ومن العالم العربي تونس والمغرب بينما جرى استثناء الجزائر.
ويشارك في هذه المناورات 36 ألف جندي ينتمون الى ما يعرف بجنود النخبة أي المجموعات المسلحة بأسلحة حديثة مقسمة على 240 وحدة عسكرية، 130 طائرة مقاتلة و60 سفينة حربية وتقوم بمواجهات وإنزال جوي وبحري وانتشار بري في مناطق في اسبانيا والبرتغال وإيطاليا لمواجهة حرب شاملة تضم الحرب الالكترونية والكيماوية والبيولوجية والكلاسيكية.
وهناك روايات مختلفة حول السيناريو الحقيقي للمخاطر التي تعمل هذه المناورات على مواجهتها وتنقسم الى قسمين، الأول بدون دخيرة حية والثاني بالدخيرة الحية. وتشير بعض المعطيات الى سيناريو هجوم قوة كبيرة انطلاقا من غرب البحر الأبيض المتوسط على منطقة تسمى “سيراسيا” التي قد تكون الأراضي الإسبانية لضرب أوروبا الغربية. وهذه القوة هي روسيا ، وتنص أدبيات المناورات على “قوة عسكرية كبرى ذات تأثير قوي في الرأي العام العالمي” وقد تنطلق من سفن في المياه الدولية أو من دول حليفة لها في شمال إفريقيا. في الوقت ذاته، تشير المعطيات أن الأمر قد يتعلق كذلك بدولة حليفة للغرب ذات طبيعة مشابهة لإسبانيا.
وتنقل جريدة بوبليكو الإسبانية عن القائد السابق للأركان العسكرية للقوات الأوروبية خوسي إنريكي دي أيالا أن “المناورات هي مطلب لدول أوروبا الشرقية منذ توتر الأوضاع بعد ضم روسيا لجزيرة القرم”.
لكن السيناريو قد يكون مرتبطا باحتضان اسبانيا السفن الأربعة الراسية في المدخل الغربي لمضيق جبل طراق بالقرب من قاعدة روتا الإسبانية-الأمريكية في إقليم قادش، وهي السفن التي تدخل ضمن منظومة الدرع الصاروخي. وتوجد السفن الأمريكية في المنطقة وابتداء من السنة الماضية بموجب اتفاقية مع مدريد جرى التوقيع عليها سنة 2011. وهذا ما يجعل الحلف الأطلسي يعتقد في سيناريو تعرض اسبانيا لعملية عسكرية من طرف قوة كبيرة التي تبقى هي روسيا.
وبعد بدء وصول منظومة الدرع الصاروخي ابتداء من 2013، كانت روسيا قد نشرت أكبر سفينة حربية في العالم “بطرس الأكبر” في المياه القريبة من قاعدة روتا الأمريكية-الإسبانية، وأجرت مناورات حربية هناك تتعلق باعتراض صواريخ، ويتعلق الأمر بصواريخ الدرع الصاروخي. وتؤكد موسكو أن الدرع الصاروخي لا يتعلق بمواجهة إيران أو كوريا الشمالية لأنهما يفتقدان للقدرة لتوجيه صواريخ نحو الغرب بل بمواجهة الصواريخ الروسية.
ومنذ نوفمبر 2013، رفعت روسيا من سفنها الحربية بشكل دائم في غرب البحر الأبيض المتوسط، وتعتبر الصين نفسها من الدول المتضررة من الدرع الصاروخي، ولهذا أجرت رفقة روسيا مناورات عسكرية في غرب البحر الأبيض المتوسط خلال مايو الماضي، وهي أول مناورات للصين في هذه المنطقة البحرية بعدما كانت تركز فقط على المحيط الهادي.
وتتزامن هذه المناورات في وقت يستعيد فيه العالم أجواء الحرب الباردة نتيجة المواجهة الروسية-الأمريكية في ملفات متعددة وعمل كل دولة على إعادة انتشار قواتها العسكرية بما في ذلك في البحر الأبيض المتوسط.
مقال سابق حول عودة الحرب الباردة بتاريخ 12 فبراير 2014:
الحرب الباردة تعود الى مضيق جبل طارق بعد نشر البنتاغون الدراع الصاروخي وروسيا ترد بإرسال سفن حربية قبالة اسبانيا والمغرب
مقال آخر بتاريخ 4 نوفمبر 2013