صدر للدكتور إدريس الشلوشي، رئيس الجمعية المغربية لدكاترة وزارة التربية الوطنية، كتاب بعنوان: “الجزر المغربية المتوسطية (بادس، النكور، جزر ملوية، البرهان، ثاورة) 1799-1912م الغزو والمقاومة”[1]. والكتاب في أصله أطروحة لنيل شهادة الدكتورة في التاريخ، ناقشها المؤلف بكلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس – ظهر المهراز، سنة 2003.
وقبل الاسترسال في عرض مضامين هذا الكتاب ومناقشتها، أعترف بأنني ترددت كثيرا في نشر هذه القراءة. إلا أن ترددي زال أمام قناعتي بأن تطوير البحث في تاريخنا لن يتم بمعزل عن المتابعة والمراجعة العلمية لما يُنشر. ومن الطبيعي ألا تحظى بالمراجعة سوى الكتب الجديرة فعلا بالاهتمام، على ضوء ما يتوافر بها من خصائص ومقومات إيجابية، إذ من العبث الاهتمام بكتاب لا تتوافر به الحد الأدنى من الشروط العلمية. بيد أن مراجعة هذا الكتاب قد أتاحت لنا الفرصة للوقوف على المستوى العلمي لبعض الأطاريح الجامعية التي تناقش في الجامعة المغربية في الوقت الراهن، والتساؤل عن مصداقية بعض اللجن العلمية المناقشة لهذه الأطاريح.
يتناول الكتاب موضوعا تاريخيا له امتدادات قوية في واقعنا الراهن، بما أن المغرب لم يكُفّ في أي فترة من تاريخه عن السعي لاستكمال وحدته الترابية، والمطالبة باسترجاع ما بقي منها مبتورا، ومنها: سبتة ومليلة والجزر المتوسطية التي سقطت بيد المستعمر الإسباني ابتداء من القرن الخامس عشر. إنه موضوع تتداخل فيه الاعتبارات السياسية والاقتصادية والدينية والجغرافية والاستراتيجية، ويستحضر تاريخ المغرب، وتاريخ حوض البحر الأبيض المتوسط، وتاريخ الصراع الإسلامي المسيحي، وتاريخ التوسع الأوربي.
إن موضوعا بهذا العُمق، وبهذه التشعيبات، يستدعي ممن يقتحمه أن يكون متمرسا بأدوات البحث التاريخي وتقنياته، مُطلعا على مصادر الموضوع ومراجعه. فهل توفّرت العُدّة المعرفية والمنهجية لدى صاحب هذا الكتاب؟ وهل احترم أدنى مواصفات البحث التاريخي؟ ذاك ما سنقف عليه بعد استعراض فصول الكتاب ومحتوياته.
يروم صاحب الكتاب التعريف بالسياق التاريخي لاحتلال الجزر المغربية المتوسطية، ومكانتها في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، ودورها في بلورة المشروع الاستعماري للدولة الإسبانية، وانعكاس ذلك على الدولة والاقتصاد والمجتمع المغربي بصفة عامة، والمناطق الشمالية بصفة خاصة.
يضمّ الكتاب قسمين مهّد لهما المؤلف بمقدمة ومدخل يبْسط فيه الملامح العامة للصراع الأوربي المغربي في الحوض الغربي للمتوسط. يتناول القسم الأول “الغزو الإسباني للجزر والموانئ المغربية المتوسطية” ومراحله وأهدافه؛ وجاء في خمسة فصول. بينما خصّص القسم الثاني للحديث عن “المقاومة الوطنية للغزو”، بشقّيْها: الرسمي والشعبي؛ وهو يقع في فصلين.
يقسّم المؤلف سياسة الغزو الإسباني للجزر المغربية إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل سنة 1799م وقد طبعها سعْي إسبانيا إلى القضاء على الوجود الإسلامي بالأندلس، ونقْل المعركة إلى المغرب، واحتلال أجزاء من ترابه وجزره. ومرحلة ما بعد 1799، تعزّز خلالها دور الجُزر المحتلة، اقتصاديا وسياسيا، وأضحت “منطلقا للهجمات ضد الأهالي المجاورين الرافضين للتوسع” (ص 23). ويستعرض المؤلف – بسرعة وبكثير من السطحية – احتلال الثغور الشمالية (سبتة، ومليلية، وتطوان، وطنجة)، قبل أن يتطرّق للجزر المغربية التي احتُلت قبل سنة 1799 والسياق التاريخي لذلك الاحتلال: (جزيرة بادس 1564م – جزيرة النكور 1673)، وتلك التي سقطت بعد هذا التاريخ (جزر ملوية 1848 – ثاورة – البرهان 1848) (الفصل الأول)
ويتناول المؤلف في فصل ثان سياسة إسبانيا “للقضاء على البحرية المغربية”، سواء بتدمير قواعدها مباشرة، وبالاستيلاء على مراسي وجزر المغرب، أو عن طريق سعي الدول الأوربية لتعطيل الجهاد البحري (القرصنة) وتكبيل المغرب باتفاقيات تمنع ممارسة هذا النشاط تحت ذريعة عرقلته لحريّة الملاحة، انتهت بإجبار المغرب بوضع حد لنشاطه الرسمي الجهادي، تطبيقا لمقررات مؤتمر فيينا 1815 ومؤتمر إيكس لا شابيل 1818م.
ويستعرض المؤلف في الفصل الثالث ما سماه بـ “سياسة المناورة” التي لوّحت بها إسبانيا في عدة مناسبات، بتسليم الجُزر للمغرب، أو تدميرها، أو التخلي عنها ومغادرتها، مقابل الحصول على امتيازات تجارية وترابية وسياسية بديلة. ذلك أن إسبانيا فكرت في الانسحاب من بعض هذه الجزر ابتداء من سنة 1732 نظرا للمصاريف الباهضة لتكلفة الاحتلال. وظل ملف تسليم الجيوب المغربية مطروحا إلى ما بعد سنة 1830. ويستعرض المؤلف ما ورد ببعض التقارير الإسبانية الخاصة بهذا الموضوع، مستنتجا “أن المغرب كانت له مناسبة مواتية لتحرير هذه الجزر المحتلة، لو توفرت الشروط السياسية، خاصة فترة السلطان المولى سليمان حيث تُبودلت السفارات بين الجانبين في الموضوع” (ص 79)
ويتناول الفصل الرابع “الغزو التجاري” الذي مارسته إسبانيا للمغرب انطلاقا من الجزر المحتلة، حتى أضحت هذه الأخيرة “بوابة كبيرة لتعميق الهيمنة الاقتصادية على المغرب بطرق شرعية وغير شرعية” (ص 110). وقد كان لبعض المؤسسات الاقتصادية والجمعيات الإسبانية دور كبير في الضغط على الدولة الإسبانية للعمل على فتح الأسواق المغربية أمام الشركات الإسبانية، حتى أنه ابتداء من القرن التاسع عشر، لم تعد الجزر المغربية المحتلة قواعد عسكرية فحسب، بل أضحت أداة من أدوات الغزو التجاري للمغرب. ولم تكتف إسبانيا بتوطيد التعامل التجاري للجزر مع المغرب، بل مارست كذلك التهريب على نطاق واسع (الحبوب، والسلاح، والمعادن، السمك)، على الرغم من أن الاتفاقيات المبرمة بين البلدين كانت تمنعه.
ولتعزيز احتلالها للجزر المغربية منحتها اسبانيا وضعية “مناطق سيادة”، وعمدت إلى تأهيلها عبر تزويدها ببنيات إدارية وعمرانية وعسكرية وملاحية وسياسية، تستجيب لتوسع أنشطتها التجارية والاستيطانية المتنامية باطراد، وانتهى الأمر بأن رفعت إسبانيا أمام منافسيها من الدول الغربية، ورقة المطالبة بـ “حقوقها” وحماية “مصالحها التاريخية” بالمنطقة، لتبرر أحقيتها في فرض الحماية على شمال المغرب سنة 1912. (الفصل الخامس)
ولم يكن للمغاربة أن يستكينوا أمام الغزو الإسباني لأجزاء من وطنهم، فهبّوا لمقاومته، كما تشهد بذلك جهود سلاطين المغرب، سواء عبر التعبئة العسكرية أو العمل الدبلوماسي (الفصل السادس)، وكما جسّدت ذلك المقاومة الشعبية التي حملت لواءها القبائل المغربية والزوايا ( الخمليشية والريسونية خاصة)، وقادها أو أطّرها بعض العلماء (أمثال الشيخ ميمون المختار، القاضي محمد العزوزي، والمجاهد محمد أمزيان). بيد أن قوة المدّ الاستعماري، والتفاوت الكبير في الإمكانات المادية والعسكرية بين الطرفين، حكَم بالفشل على هذه المقاومة بشقيْها الرسمي والشعبي، لينتهي الأمر بفرض الحماية على المغرب سنة 1912. (الفصل السابع)
ملاحظات نقدية على الكتاب
أولا – منطلقات مغلوطة وخلط منهجي
منذ البداية، يضع الشلوشي موضوع الجزر المغربية المحتلة في إطار مغلوط، حينما يكتب في طالعة مقدمته قائلا: “يرتبط موضوع الجزر والموانئ المغربية المتوسطية ما بين 1799 [و] 1912م بقضية أساسية في الصراع المغربي الإسباني… إنه صراع من أجل الاستحواذ والسيطرة على الفضاء المتوسطي” (ص 3). ويصرّ المؤلف على هذا الطرح المغلوط والخاطئ لموضوع كتابه حينما يخبرنا بأن إحدى الإشكاليتين التي يروم الكتاب الإجابة عنهما تتمثل في “تحديد أهداف وآليات ومراحل هذا الصراع” (ص 4). وتتكرر لفظة “الصراع” سبع مرات في الصفحة الأولى من الكتاب، بما يوحي بإصرار المؤلف على هذا النعت، دون غيره، للحديث عن مكانة الجزر المغربية المحتلة في العلاقات المغربية الإسبانية. وهذا المنطلق لا يمكن لأي باحث مغربي يمتلك أدنى حسّ تاريخي أن يسلِّم به. إذ كيف نستسيغ أن يتحول غزو إسبانيا العسكري للجزر المغربية واحتلالها إلى مجرد “صراع ” بينها وبين المغرب. وهل حقا كان المغرب ينافس إسبانيا أو غيرها من القوى آنذاك، “من أجل الاستحواذ والسيطرة على الفضاء المتوسطي”، كما يزعم المؤلف؟
ويبدأ الانزياح عن موضوع الدراسة منذ الصفحة الأولى من الكتاب. فلم يعد موضوع الكتاب هو “الجزر المغربية المتوسطية”، كما هو مثبت على غلاف الكتاب، وإنما أضحى “الجزر والموانئ المغربية المتوسطية”، مع ما استتبع ذلك من خروج المؤلف عن موضوعه، بتناوله لاحتلال مدينة سبتة ومليلية وتطوان وطنجة، أو تطرقه لمحاولات المولى سليمان لاسترجاع سبتة (ص 144-146)، أو خلطه بين جزيرة بادس (التي تسميها الأدبيات الإسبانية Peñon de Velez de la Gomera ) ومدينة بادس الواقعة على الساحل الريفي (ص 32-34)
ونقف على نموذج آخر من الخلط المنهجي والارتباك في كلام المؤلف حينما يستعرض فصول كتابه وأقسامه، ويفاجئنا بقوله: “وقسمتُ هذا المحور إلى خمسة فصول شكلت ميكانيزمات وأهداف الاحتلال” (ص 8) فكيف لعاقل أن يفهم عبقرية المؤلف الذي جعل فصول كتابه “تشكل ميكانيزمات وأهداف للاحتلال”؟ أو كيف نفهم كلام المؤلف حينما يكتب قائلا: “اعتقدت الأرستغرافية [هكذا، وهو يقصد الإستوغرافية] الأوربية توفر الجبل على معدن: الذهب، الرصاص، الحديد” (ص 106)، فهل “الإستوغرافية الأوربية ” كائن عاقل مفكِّر حتى يعتقد أو لا يعتقد؟ يبدو أن للمؤلف فهما خاطئا للمفاهيم والمصطلحات، أو أنه لا يدرك معناها بالمرة.
ثانيا: أخطاء تاريخية ينبغي أن تصحح
1- انتفاضة للمورسكيين سنة 1609م ؟
من بين غرائب الكتاب المثيرة ما نقف عليه حينما تطرّق لمعاناة المورسكيين الأندلسيين مع محاكم التفتيش؛ إذ يتحدث المؤلف عن “القمع الإسباني الذي واجه انتفاضة 1609 بشراسة كبيرة أدت إلى هجرة أكثر من مليون مسلم” (ص 15). ولم نقف على أثر لهذه الانتفاضة المزعومة في تاريخ المورسكيين، لا عند القدامى من المؤرخين ولا عند المحدثين منهم، لا عند العرب ولا فيما كتبه الأجانب.
يتعلق الأمر في الواقع بـ “قرار الطرد” الذي أصدره العاهل الإسباني فليب الثالث في هذه السنة، وليس بـ “انتفاضة” لا وجود لها إلا في مخيلة المؤلف. أما تقدير عدد المطرودين بأكثر من مليون مسلم، فهو تقدير لا يمكن الأخذ به. فالموضوع ما يزال لم يحسم بعد عند المتخصصين في الدراسات المورسكية، وإن كانوا يميلون إلى تقديرهم بحوالي 300 ألف مهجّر، استقبل المغرب منهم حوالي 80 ألف[2]
2- وأضرب مثلا آخر على ما طبع كتاب الشلوشي من أحكام عامة وخالية من التدقيق والتحقيق في محتوياتها، فأتساءل عن السند الذي اعتمد عليه في اعتبار أن “العصر الوسيط يمثل مرحلة سيادة المغرب على الحوض الغربي منه” [= البحر الأبيض المتوسط] (ص 13)، وهذا الإقرار لا يمكن لأي مطلع على التاريخ المغربي التسليم به. فالعصر الوسيط مرحلة طويلة تشارف على ثمانية قرون. ولم يكن للمغرب على امتدادها أية سيادة تذكر على الحوض الغربي للمتوسط، بما في ذلك على عهد الموحدين، فبالأحرى خلال القرون الخمسة السابقة عليهم. بل إن هزيمة الأسطول المغربي في معركة طريف (ريو سالادو) البحرية سنة 1340 م كانت كارثة بالنسبة للقوى البحرية المغربية. إذ سيغدو انحطاط القوة البحرية المرينية متسارعا. بل إن الضعف ميز البحرية الإسلامية برمتها في هذه الحقبة، “إذ صار المسلمون فيه [البحر الأبيض المتوسط] كالأجانب”، كما يقول ابن خلدون. فعن أية سيادة يتحدث الدكتور الشلوشي؟
3- وفي نفس سياق المغالطات يكتب المؤلف بركاكة، قائلا: “وللحادق [هكذا] المتبصر أن يقارن ما آل إليه وضع البحرية المغربية من تراجع خطير، من أربعمائة قطعة في عصر الموحدين ذات طبيعة هجومية، وبصناعة محلية، وبتعاون متين مع العالم الإسلامي، إلى أربع أو خمس قطع خلال عصر الحسن الأول” (ص 56). ولا يسع المرء إلا أن يتعجب من مثل هذا الزعم حول طبيعة هذا “التعاون المتين” مع العالم الإسلامي، وكل مهتم بتاريخ العلاقات المغربية المشرقية في العصر الموحدي يعلم كيف أن الخليفة يعقوب المنصور الموحدي رفض طلبَ صلاح الدين الأيوبي لمساعدته بقطع من الأسطول المغربي…
وعلاقة بالبحرية المغربية يتحدث الشلوشي عن دور الأسطول السبتي في “عمليات مشروع إنقاذ الوجود الإسلامي بالأندلس”، ويقرّ – بلغة ركيكة كذلك- أن ذلك كان “مما جعل البرتغاليين وإدراكا منهم لهذا الدور يعملون [في الأصل: العمل] على الاستيلاء عليها” (ص 27)، مكررا ذلك في خاتمة الكتاب ( 193). والواقع أن أسباب الاستيلاء على سبتة معقدة، ولا يمكن اختزالها في عامل واحد هو “إنقاذ الوجود الإسلامي بالأندلس”. وننصح المؤلف بالرجوع إلى كتابنا “المغرب وحروب الاسترداد”، أو مما كتبه غيرنا حول موضوع سقوط سبتة، للوقوف على هذه الأسباب والدوافع الحقيقة لغزو سبتة.
4- ويتأكد لنا انتفاء الصرامة العلمية من الكتاب، وإطلاق المؤلف للكلام على عواهنه، حينما يخبرنا بأن البرتغاليين عملوا على تطويق المغرب “من الجنوب والسيطرة على ركيزته الاقتصادية الصحراوية المرتبطة بمناجم النيجر والكونغو الغنية بالذهب والفضة والعاج والملح، والتي كان المغرب يستفيد من تجارته بها مع أوربا” (ص 16). وهذا افتراء آخر على تاريخ المغرب. أولا: لأنه لم يثبت قط أن كان للمغرب في ذلك العصر (القرن 16م) علاقة تجارية أو غير تجارية مع الكونغو، وإنما أقصى ما وصلته القوافل التجارية المغربية هو المنطقة المعروفة بالسودان الغربي، الذي ربطته علاقات تجارية تاريخية بالمغرب. ولم يصلوا قط إلى خط الاستواء ليتاجروا مع الكونغو.
ثانيا: إن ما يوهمنا به المؤلف في هذه الفقرة من كون البلدان الإفريقية كانت منتجة ومصدرة للملح (إلى جانب الذهب والفضة والعاج) هو محض خيال. فالملح كانت من بين السلع التي يصدّرها المغاربة للسودان الغربي، يستخرجونها من السّبْخات الملْحية الموجودة جنوب المغرب باتجاه غانة (ممالح تغازة وإيجيل)، ولم تكن أبدا من السلع المستوردة من هناك. وكان يكفي المؤلف للوقوف على هذه الحقيقة أن يفتح أي مؤلف، أو يطالع أية دراسة تتطرق للعلاقات التجارية للمغرب مع دول افريقيا جنوب الصحراء.
5- ويستمر المؤلف في أخطائه التاريخية حينما يدعي في نفس الصفحة أن البرتغال “استمرت في تنظيم الرحلات جنوب الصحراء والتوغل فيها “، وهذا ينمّ عن عدم فهم طبيعة التوسع البرتغالي بالقارة الإفريقية. فلم يثبت تاريخيا أن البرتغال “توغلوا” داخل القارة الإفريقية، وإنما اقتصروا على النزول بسواحلها وإنشاء المراكز التجارية (Les comptoirs ) في عملياتهم التجارية، و” لم يهتموا قط بالسيطرة عليها عسكريا والتحكم في داخلها”، حسب الدراسات المتخصصة[3].
6- ويغيب التحقق والدقة عن عمل الشلوشي حينما يرّد أصل تسمية جزيرة بادس إلى “بادس بن منصور بن بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي، الأمير على إفريقيا الشمالية في عهد الفاطميين” (ص32). وهذا دليل آخر على جهل المؤلف التام بتاريخ بلاد المغرب في العصر الوسيط. فلم يحدث قط أن خضعت “افريقيا الشمالية” برمتها لأمير قبل المرابطين والموحدين. والدولة الزيرية قامت بافريقية. ولقد اختلط الأمر على المؤلف، ولم ينتبه – أو لعله لا يدرك- أن المراد بـ “افريقية” آنذاك هي تونس الحالية، لا إفريقيا الشمالية.
7- وكيف لا تختلط الأمور على المؤلف وهو يوطّن لشبونة على البحر الأبيض المتوسط، لا على المحيط الأطلسي؟ (ص 13)، ويجهل أن دولا مثل الجزائر ولبنان وإسبانيا لم يكن لها وجود في الفترة التاريخية التي تحدث عنها حين تطرقه للعلاقات التجارية لمدينة سبتة في العصر الوسيط مع “برشلونة بإسبانيا”، و”وهران بالجزائر”، و”بيروت بلبنان” (ص 26)!!!
8- ولم يخلُ الكتاب من أخطاء في التواريخ، من ذلك قوله بأن معركة الزلاقة وقعت سنة 1083م (ص27)، في حين أنها وقعت يوم 23 أكتوبر1086م (الجمعة 12 رجب، سنة 479 هـ). وقوله أن مليلية سقطت بيد أمويي الأندلس سنة 320 هـ، (ص 28)، بينما كان ذلك سنة 324 هـ[4] ؛ وكذا قوله أن الإسبان لم يتأت لهم احتلال مدينة تطوان “إلا سنة 1859 عقب حرب تطوان” (ص29-30)، بينما المعلوم المشهور لدى كل مهتم بتاريخ المدينة وبتاريخ المغرب الحديث أن احتلال المدينة تم سنة 1860، وبالضبط يوم 6 فبراير 1860 الموافق لـ 13 رجب 1276 هـ.
وإذا كان المؤلف قد أغفل في كتابه تحديد تاريخ سقوط جزيرة بادس بيد الإسبان (وهو 5 شتنبر 1564م) فإن مما يكشف اقتباسه عن غيره دون روية، هو قوله بأن جزيرة البرهان لم يتم احتلالها من قبل إسبانيا إلا سنة 1968م (ص 51)، أي بعد اثنتي عشرة سنة من استقلال المغرب. وهو في هذا يعتمد على دراسة محمد بن عزوز حكيم، لكنه يتجاهل أن هذا الأخير يميز بين “الاحتلال الرمزي” للجزيرة الذي تم سنة 1848م، بإعلانها جزيرة إسبانية، واحتلالها العسكري بتثبيت حامية عسكرية بها يوم 23 فبراير 1968م.
ويفتقد المؤلف إلى الصرامة العلمية والمنهجية حينما تغيب من الكتاب أبجديات التعامل مع التحقيب الزمني. فالمؤلف يستعرض غزو الإيبيريين للسواحل المغربية منذ احتلال سبتة سنة 1415، بترتيب كرونولوجي غريب، حينما يقول: “ثم احتلت بعد ذلك مدينة مليلية سنة 1497م، فبادس 1508م ثم القصر الصغير سنة 1458…” (ص 15) ومن المعلوم أن لفظة ” ثُمَّ” “تبيّن الآخر من الأَوّل”، وأنها “لا تكون في العُطوف إِلاَّ لشيء بعد شيء”، كما يخبرنا “لسان العرب”. فكيف يجوز لمؤرخ محترف أن يرتب احتلال القصر الصغير بعد احتلال بادس ومليلية، لا قبلهما؟
وفي نفس السياق نعثر على عبارات من قبيل: “وأشرفت في مرحلة لاحقة ما بين سنتي 1913م و 1902م” ( ص107). ” خلال سنوات 1858-1856م” (ص 150)
ثالثا: شخصيات تاريخية وهمية
الأدهى من الأخطاء التاريخية هو اختلاق المؤلف لأمراء وسلاطين ومجاهدين لا وجود لهم في التاريخ المغربي. ففي معرض حديثه عن احتلال مليلية سنة 1497 يقول: “تكتلت قوة بحرية مغربية بقلعة بادس بزعامة المولى المنصور القائد المحلي، وعملت على تسليح زوارق حربية وإرسالها في مهمات الجهاد بإسبانيا، وقد نوه السلطان أبو يعقوب البادسي بمجهوداتها بقوله: “لقد كانت اليوم بغرناطة غزوة مثل غزوات فتوح الشام، فقد بلغنا أن المسلمين غزوا بطرة في مرج غرناطة، فنصرهم الله نصرا عظيما، وقد استرجع المغاربة إلى حظيرة الإسلام جبل طارق وكان للأسطول البادسي دور كبير في ذلك”. (ص 35 ).
هذا ما يقوله المؤلف، محيلا على مرجع ثانوي هو: “التعريف بجزيرة باديس بالريف”، لمؤلفه امحند بن علال الباخلالي.
فمن يكون هذا السلطان الذي لم يردْ له ذكْر في التاريخ المغربي، والذي ينسب له الشلوشي قوله: ” فقد بلغنا أن المسلمين غزوا بطرة في مرج غرناطة، … وقد استرجع المغاربة إلى حظيرة الإسلام جبل طارق وكان للأسطول البادسي دور كبير في ذلك “؟؟
من الجلي أن المؤلف لا يتوفر على العُدة العلمية التي تتيح له أن يتعامل تعاملا نقديا مع هذا النص، أو بالأحرى هذه القولة المنسوبة لهذا السلطان الوهمي، بل لم يأخذ عناء التأكد من مصداقية المضمون التاريخي الوارد في ذلك النص، ومدى صحته. ولا يمكن للمطلع على الرسائل المخزنية وأسلوبها أن يسلم بأن النص المستشهد به أعلاه هو رسالة مخزنية، أو كلام صادر عن سلطان ما، لا من حيث أسلوبه ولا من حيث مضمونه. ونجزم أن المؤلف ليس له من الاطلاع على المصادر التاريخية ما يمكنه من إدراك أن النص المستشهد به هو مقتبس من كتاب “مناقب أبي يعقوب الزهيلي البادسي” ، لأبي محمد عبد الله بن محمد الأوربي (المتوفى سنة 786 هـ /1384-85 م). وقد نشره أحمد البوعياشي ضمن كتابه: “حرب الريف التحريرية ومراحل النضال”[5]. وأن الأمر لا يتعلق بالسلطان أبي يعقوب البادسي الذي لا وجود له، وإنما بالولي أبي يعقوب البادسي المتوفى ببادس سنة 734 هـ /1332م.
ويواصل المؤلف افتراءاته على التاريخ المغربي حينما يخبرنا بأن “الزاوية الخمليشية… استمرت في دعم حركة ابن عبد الكريم الخطابي وابنه من بعده” (ص 188). وهذا بدوره من “الفتوحات العلمية الغريبة” التي بها الشلوشي في هذا الكتاب. إذ كيف لم يهتد الباحثون والمؤرخون المهتمون بتاريخ المقاومة المغربية وتاريخ حركة المجاهد محمد بن عبد الكريم، إلى أنه خلف ابنا من بعده يقود الثورة الريفية، وتدعمه الزاوية الخمليشية، حتى جاء الدكتور الشلوشي لينفرد بهذا الكشف التاريخي الكبير، الذي لا وجود له إلا في مخيلته؟
ولا تنتهي عجائب وغرائب هذا الكتاب عند هذا الحد، بل يخبرنا صاحبه أن “مليلية… مدينة مغربية عريقة ألحقت سنة 320 هـ بممتلكات عبد الناصر الأموي” (ص 28). فلم يترك لنا التاريخ المغربي ولا الأندلسي ولا المشرقي إسما أو أثرا لأمير أو ملك أو سلطان إسمه عبد الناصر الأموي. فالأمر يتعلق بالخليفة الأموي عبد الرحمان الثالث، الملقب بالناصر (حكم ما بين 300 -350 هـ/ 913-961م).
ويتأكد لنا افتقاد المؤلف إلى الصرامة العلمية حينما يخبرنا بصيغة جازمة، بأن ذلك الخليفة “استولى على مجموع حوض ملوية”، فهذا لا ينمّ عن جهل المؤلف بالتاريخ فحسب، وإنما حتى بالجغرافية. فحوض ملوية يمتد على مساحة تقدر بأكثر من 70 ألف كلم مربع، ويضم حاليا ولايات وعمالات كل من وجدة وبركان والناضور وجرادة وتاوريرت، وجزئيا عمالات فكيك وتازة وبولمان وخنيفرة. فكيف نصدق أن نفوذ عبد الرحمان الناصر شمل كل هذه المناطق؟ في حين أنه لم يتجاوز شرقا حدود ما كان يعرف بمملكة نكور على الساحل المتوسطي، بما في ذلك مرفأ مليلة الذي استولى عليه عام 324 هـ. (وليس 320 هـ كما يعتقد الشلوشي)
رابعا: كشف تاريخي مذهل: ظهور كتاب “الكوكب الوقاد” مطبوعا !!!
ولم يختلق الشلوشي شخصيات تاريخية وهمية فحسب، وإنما أردف ذلك بالكشف عن مؤلفات تاريخية مفقودة، كاشفا عن استهتاره بمبادئ البحث العلمي. فالمؤلف يحيل على مؤلف تاريخي لا وجود له أصلا، وهو كتاب “الكواكب الوقادة الجامع لما في ثغر سبتة من تراجم السادة وقبور أئمة القادة” الذي ينسبه الشلوشي لمحمد الأنصاري السبتي، ويؤكد أنه صدر عن المطبعة الملكية بالرباط، دون تحديد تاريخ هذا الصدور (ص 27)، وقد أعاد المؤلف نفس المعطيات البيبليوغرافية في لائحة مصادر ومراجع الكتاب (ص 198).
إن المرء ليصاب بالدوار، وهو يقرأ في كتاب، أصله أطروحة جامعية لنيل الدكتوراه، وناقشته لجنة علمية، مثل هذا الافتراء. فلم يسبق للمطبعة الملكية أن أصدرت في أي وقت من الأوقات كتابا لمحمد الأنصاري يحمل عنوان “الكواكب الوقادة…”، بل إن هذا الكتاب هو من المصادر المغربية الضائعة، ونسبته لمحمد الأنصاري غير ثابتة.
ومما يؤكد أن الأمر لا يتعلق بخطأ مطبعي أو اختلاط الأمر على المؤلف بين العنوانين، هو أن الدكتور الشلوشي يحيل، وفي نفس الصفحة، على كتاب آخر للأنصاري، هو “اختصار الأخبار”، بما يؤكد أن المؤلف ينسب للأنصاري كتابين: “الكواكب الوقادة”، و”اختصار الأخبار”. وهذا كذلك من عجب عجاب هذا الكتاب.
خامسا: تبني الصيغة اللاتينية لأسماء أعلام الجغرافية:
يخال لنا في بعض الأحيان أن الدكتور الشلوشي لم يأخذ على عاتقه التحقق من إملاء أسماء الأعلام الجغرافية التي يحيل عليها في كتابه، وهو يقتبس أو يترجم من مراجع أجنبية. فهكذا يكتب “طوليد” عوض طليطلة (ص34)، و”بوجيا” عوض بجاية (ص 36، 64)، و”سيسيليا” عوض صقلية (34،37)، و”الودايا” عوض الأوداية (ص 55)، و”بيسا” عوض بيزة، و”مالكا” عوض مالقة (37، 26، 66، 80،81، 113، 181) … إلخ. لو كان الأمر يتعلق بمؤلف أجنبي، أو حتى بمشرقي لالتمسنا له الأعذار، أما أن يصدر هذا التحريف عن مؤرخ مغربي فهو ما لا نجد له تبريرا.
سادسا: أخطاء وتصحيف أسماء الأعلام
ويزداد الخلط والاضطراب عند الشلوشي حينما لا يميز بين الأعلام الجغرافية والأعلام البشرية. فيعتقد أن “مدينا سيدونيا” إسم علم بشري، فيخبرنا أن اسبانيا احتلت مدينة مليلية “على إثر حملة كبرى قادها المركيز مدينا سيدونيا” (ص 29), بينما يتعلق الأمر بـ “مدينة شذونة” / سيدونيا الإسبانية. وكان عليه أن يقول: قادها دوق مدينة شذونة.
وفي مكان آخر يقول: احتلت جزيرة نكور يوم 28 غشت 1673 “إثر حملة قادها مونتي ساكرو” (ص 40): ويصعب على كل ذي عقل أن يفهم كيف يقوم عَلَمٌ جغرافي بتسيير حملة عسكرية. والصحيح أن الحملة قادها أندريس دافالوس، أمير مونتي ساكرو Andrés Davalos, principe de Monte Sacro
ويعجّ الكتاب، بتصحيف أسماء الأعلام البشرية الأجنبية (مثلا: ص 26، 35، 36، 37، 49، 62… إلخ)، بل إن التصحيف يطال حتى أسماء الأعلام المغربية، سواء القديمة أو المعاصرة: هكذا يكتب المؤلف: جوليان الغماري عوض يوليان الغماري (ص 27)، الوزاني الزياتي، عوض الوزان (ص 199)، وخالد بن صغير، عوض خالد بن الصغير (ص 198)، واللوة العربي، واللوة أمينة، عوض اللوه العربي، واللوه أمينة (ص 199و 200)، وأونيي محمد، عوض أونيا محمد (199)… إلخ.
ويخلط المؤلف بين الدول والشعوب حينما اعتبر البلجيك دولة. يقول: “مؤتمر… شاركت فيه كل من ألمانيا، النمسا، بوهيميا، المجر، البلجيك، اسبانيا..” (ص 164)
سابعا: قراءات خاطئة للنصوص وتقويل المصادر ما لم تقله
يعدّد الشلوشي معالم سبتة قائلا: “بلغ عدد … مطامير الزرع أربعة آلاف صالحة لمدة ستين أو سبعين سنة” (ص 27) ولا نعرف كيف يمكن للمطامر أن تكون صالحة لهذه المدة الزمنية. وهذا تحريف وعدم فهم لما ورد في نص أبي القاسم محمد الأنصاري، صاحب كتاب “اختصار الأخبار عما كان بثغر سبتة من سني الآثار”. فالذي يبقى كل تلك المدة صالحا هو الزرع المخزّن في المطامر، لا المطامر، كما يفهم من كلام صاحب الكتاب.
والمؤلف لا يحترم قواعد الاقتباس من المصادر. (انظر مثلا النص الذي اقتبسه عن مرمول كربخال بخصوص بادس وكيف يحرّفه. ص 33، وأمثلة أخرى ص 101، 103، 104)
ثامنا: العبث البيبليوغرافي
يتضح من قائمة المصادر والمراجع التي ختم بها المؤلف كتابه، مدى ابتعاده عن أبسط قواعد الضبط البيبليوغرافي، فهو لم يحترم أية قائمة في ترتيب المؤلفات وأصحابها. فأحيانا يعتمد الكنى، وأحيانا النسب، وأحيانا أخرى الرسم الشخصي للمؤلف.
وإذا كان ضبط الإحالات والهوامش عملية ضرورية في كل كتابة علمية، فإن الشلوشي لم يوفق – على طول الكتاب- في ذلك. بل أكاد أجزم أنه لم يوفق في ضبط أية إحالة من الإحالات الخاصة بالمؤلفات الأجنبية. فتصحيف عناوين الكتب وأسماء مؤلفيها، وكتابتها كيفما اتفق، دون مراعاة لا علامات الوقف، ولا حجم الحروف، ولا سنة الطبع ولا مكانه.. كل هذا يلمسه قارئ الكتاب من أوله إلى آخره.
كما أن المؤلف اعتمد على عدد من الأطروحات والرسائل الجامعية المرقونة، بينما هي قد طبعت منذ سنوات: (المغرب وبريطانيا العظمى، لخالد بن الصغير، المجتمع بمنطقة الريف قبل الحماية، لعبد الرحمان الطيبي، قلعية ومشكلة الوجود الإسباني، ومقاومة الوجود الإيبيري بالثغور الشمالية، وكلاهما لحسن الفكيكي، الجيش المغربي لثريا برادة، الحياة العلمية بسبتة لإسماعيل الخطيب…إلخ)
أما حينما يدعي الشلوشي أن تمكن من بناء كتابه “بفضل المعلومات التي وفرتها لنا مجموعة من المصادر والوثائق المغربية والأجنبية” (ص 7) فذلك فيه تعتيم على الدراسات المنجزة حول الموضوع. وهو تعتيم مقصود، لأن ما يدعيه أنه اطلاع واستغلال للوثائق هو مجرد إعادة صياغة لما سبقه إليه غيره من الدارسين الإسبان والمغاربة على حد سواء.
أضف إلى ذلك أن أغلب الدراسات الإسبانية التي اعتمدها المؤلف في بناء أطروحته قديمة (نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين)، ولم يضعها على محك النقد للتنبيه على خلفياتها الإيديولوجية، بل اغترف منها وترجم فقراتها دون تمحيص أو نقد (مثلا الفصل الرابع حيث يورد جداول جافة بقيمة التجارة دون تحليلها، والفصل الخامس حيث يثبت جداول حكام الجزر، وكان من الأجدر أن تثبت في ملاحق الكتاب)
كما أنه أغفل عددا من دراسات ومقالات المؤرخ محمد بن عزوز حكيم حول الجزر والجيوب السليبة، ولم يذكر منها سوى واحدة حول جزيرة البرهان، بينما خص الأستاذ بن عزوز الجزر والجيوب المغربية المحتلة بمقالات متعددة لم ترد في كتاب الشلوشي، أذكر منها على سبيل المثال:
“جزيرة بادس: متى وكيف سقطت بيد إسبانيا ” ؟
“جزيرة النكور: متى وكيف سقطت بيد إسبانيا ” ؟
“جواب على سؤال حول جزيرة ثورة”
“مليلية: متى وكيف سقطت بيد إسبانيا” ؟
“سبتة: متى وكيف سقطت بيد إسبانيا ” ؟
“المحاولات الإسبانية للتخلي عن الجيوب المغربية” (لا يرد له ذكر في الفصل الثالث المخصص لنفس الموضوع)، وهي كلها دراسات منشورة معروفة.
ولا يتسع المجال هنا لذكر غياب بعض الدراسات ذات الارتباط المباشر بموضوع الكتاب، وعلى رأسها الكتاب الرائد لفرناند بروديل حول البحر الأبيض المتوسط في عهد فليب الثاني، ودراسته حول “الإسبان بإفريقيا الشمالية من سنة 1492 إلى سنة 1577 “[6] ،
وعدم اطلاع المؤلف على دراسات إسبانية حديثة نسبيا، نذكر منها:
– Galindo y Vera, L., Las posesiones Hispano-Africanas, Malaga, 1993
-Sanz Sampelayo, I., Los presidios españoles del Norte de África y su aprovisionamiento de víveres a fines del siglo XVIII, Granada, 1997
– Carcaño y Màs, Francisco, Melilla. Rifeñerias. Las Plazas Menores de África, Melilla, 1991
تاسعا: أخطاء إملائية ونحوية ومطبعية بالجملة:
صاغ المؤلف دراسته بلغة ضعيفة تطبعها الركاكة والاضطراب، وتكتسحها الأخطاء المطبعية واللغوية والنحوية والإملائية. فالمؤلف يكاد لا يفرق بين الدال والذال، ولا بين التاء والثاء: (انظر أمثلة في ص 80، 82، 89، 91، 105، 123، 124، 150، 164، 174، 176، 177، 181، 185- 186، 189، 190، 191… )
أما الأخطاء النحوية فلا تقل عن غيرها، من ذلك بدأ الجملة بالنصب: “قرنين بعد ذلك” (ص 50) عوض: قرنان بعد ذلك. وقوله: “إن الدولتان تعملان” / 128 عوض الدولتين. “وقُتِل إسبانيين” / 180 عوض إسبانيان. و” تضم ستة وستون قبيلة” 173 / عوض وستين. و”هجوم مسلح من طرف ست قوارب ريفية” / عوض ستة… إلخ.
أما الأخطاء الإملائية فهي كثيرة من قبيل: “تشكيل لجنة عوهد إليها 63/ “تنظيم الظرائب” 165 / “إسبانيا تضع رهن إشارة القوة السلطانية… ظباطا” 168/ وقد أقض مضاجع حامية جزيرة الحسيمة” 190/ “اضطلعوا على الأسرار الحربية” (ص 36) عوض اطلعوا / ” ونهج السلاطين العلويون على منوالهم” 139 عوض: ونسج…. إلخ.
و يكرر المؤلف لفظة “رباطة” على امتداد صفحات 176-178 وهو يقصد رابطة.
وختم الشلوشي كتابه بمجموعة من الصور والخرائط الرديئة، لم يكشف عن مصادر أغلبها، ولم يأخذ حتى عناء ترجمة تعليقاتها المكتوبة أصلا باللغة الإسبانية.
* * *
وبعد، فإننا لم نأت على كل الهفوات والأخطاء التي تخللت هذا الكتاب على امتداد صفحاته، وقد آثرنا من خلال النماذج التي بسطناها أن نجعل القارىء يقف على ب[i]عض النماذج من الأخطاء التاريخية والاضطراب المنهجي والضعف اللغوي الذي يسم هذا المؤلف. في الوقت الذي نسجل فيه أن البحث التاريخي بالمغرب سجل في السنوات الأخيرة تراكمات مهمة، لكنها تبقى بحاجة إلى مواكبة نقدية تساهم في ترسيخ تقاليد علمية، بعيدا عن “المجاملات” و”التزلف” العلمي. لأن النقد البناء هو ركيزة أساسية لكل تفكير علمي يطمح للتقدم والتجاوز.
[1] – د. ادريس الشلوشي، الجزر المغربية المتوسطية (بادس، النكور، جزر ملوية، البرهان، ثاورة) 1799-1912م الغزو والمقاومة، مطبعة دار القلم، الرباط، 2012، 207ص
[2] – انظر هذه المعطيات في: كتاب ميكيل دي إيبالزا، المورسكيون قبل الطرد وبعده (بالإسبانية)
Miguel de Epalza, Los Moriscos antes y después de la expulsión, 1992
[3]– انظر دراسة أحمد بوشرب، “المخططات البرتغالية حلال القرنين 15 و 16″ ضمن كتاب: في النهضة والتراكم: دراسات في تاريخ المغرب… مهداة للأستاذ محمد المنوني، 1986. ص 218)
[4] – ابن حيان، المقتبس، تحقيق بيدرو شالميطا… ، ج 5/ ص 382
[5] – الجزء الأول، طنجة (1974؟) ص 301- 343
[6] – Fernand Braudel, « Les Espagnols et l’Afrique du Nord de 1492 à 1577 », première édition en 1928, réédition in Autour de la Méditerranée. Les écrits de Fernand Braudel, Tome I, Fallois, Paris, 1996