تمرالجزائر حاليا بمرحلة ترقب حذرة للغاية بسب الغموض الكبير الذي يكتنف الساحة السياسية الجزائرية . علامات استفهام كبيرة يطرحها العامة والخاصة عن سبب الفراغ او الافلاس السايسي الذي آلت اليه البلاد بسبب الغياب الطويل لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة عن الواجهة وعدم قدرة المقربين منه والمحيطين به من سد الفراغ رغم المحاولات المتكررة اليائسة التي يقومون بها من حين لاخر مثل رئيس الحكومة سلال او رئيس الديوان الرئاسي احمد اويحي او الامين العام الحالي لحزب جبهة التحرير الوطني سعداني.
في ظل هذا الجمود والفراغ المحفوف بالحذر قامت مجموعة من السياسيين والمناظلين والاكاديميين بطرح مبادرة في شكل رسالة يطالبون فيها الالتقاء بالرئيس الغائب جسديا وان لم نقل ذهنيا كذلك منذ عامين كاملين عن الساحة الجزائرية ولا احد يعرف بالضبط ان كان فعلا هو من يدير شؤون الدولة وهمومها.
وتباينت الاراء والمواقف ازاء هذه المبادرة ان كانت فعلا تعني اي شيء في تحريك الوضع القائم وتغييره. شخصيا اعتقد انها مبادرة سخيفة تنم عن الافلاس السياسي الكبير الذي تعاني منه البلاد في ظل غياب معارضة حقيقية تستطيع ان تضطلع بمهامها في مخاطبة الراي العام الجزائري وسد الفراغ السياسي القائم .
ومع هذا الوضع يتضح ان مايسمى بالمعارضة في الجزائر ممثلة في عدد من الاحزاب السياسية والجمعيات المهنية والجماهرية يكشف ان هذه المعارضة جزء لا يتجزأ من النظام القائم في الجزائر وانيطت اليها ادوارا تلعبها كلا حسب وظيفته ومكانته. فالاحزاب التي تدعي انها احزاب معارضة هي في حقيقة الامر احزاب السلطة تتلقى الاوامر لاداء المهام المنوطة بها ولا علاقة لها بالعمل الحزبي السياسي المعارض مقابل امتيازات مادية ومعنوية ومناصب في مراكز الدولة واجهزتها التي اصبحت لاتربطها اي صلة بالمواطن والشارع الجزائري.
الحلقة المفرغة التي يدور فيها النظام الجزائري حاليا تركت المجال مفتوحا لكل التكهنات والتوقعات واستغلال جهات داخلية وخارجية لنشر الشك والياس تارة الخوف والرعب تارة اخرى والحديث عن المصير المجهول في نفوس الجزائريين. فمرة يتحدث قائد الاركان عن خطر الارهاب الذي يحدق بالبلاد ومرة اخرى يتحدث رئيس الحكومة وبعض الوزراء عن الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية بسبب انخفاض اسعار السلعة الوحيدة التي يقوم عليها اقتصاد الجزائر منذ الاستقلال الى غاية اليوم وهي المحروقات.
ومن حين لاخر نرى الامين العام للحزب الحاكم في الجزائر قبل وبعد الاستقلال وهو حزب جبهة التحرير الوطني يتحدث وكانه مفوض ومخول وحده مستخدما نبرات قمعية تنم عن حقيقة نظرته لمارسة العمل السياسي بعنف وحقد كبيرين؟!!! يتفوه بعبارات لا تليق بسمعة الجزائر ومكانتها عندما يقول ان كنتم تريدون معرفة حالة الرئيس الصحية اسألوا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.؟!ّ من العيب ان يتفوه هذا المسؤول وهو على راس حزب له رصيد نظالي معروف بهكذا عبارات وبهذه اللهجة التي تمس بسمعة الوطن والمواطن الجزائري.
الافلاس السايسي سببه تهميش الكفاءات الجزائرية خاصة في الحقل السياسي والحزبي والاكاديمي وفرض الهيمنة الكاملة على كافة وسائل الاتصال الجماهري التي عرفتها الجزائر بعد الاستقلال واستخدمت مرارا عديدة كحلقة وسط في التواصل بين السلطة والشعب في شرح و تمرير المشاريع التنموية والبرامج السايسية التي كانت تريد الدولة انجازها . وهنا نشير الى عهد الراحل هواري بومدين وكيف ربط علاقاته بالجماهير الواسعة بشرائحها العمالية والفلاحية والطلابية والنسائية باعتبارها جزءا من مسيرة التغيير التي كانت تنشدها الجزائر في بناء مجتمع متطور ومتكامل يسير بخطى واضحة المعالم نحو دولة حقيقية حتى وان كانت تتخللها بعض الاخطاء هنا وهناك عند الممارسة.
الفرق بين ذلك التاريخ واليوم يكمن في احداث هذه القطيعة الكبيرة بين السلطة والشعب واصبح كل واحد يدور في فلكه وفي عزلته ما افقد الدولة مكانتها وهبتها واصبحت المؤسسات لا تعني شيئا بالنسبة للنظام القائم او للشعب الذي فقد ثقته الكاملة في نظام تمادى اعضاءه في ممارسة الفساد والاختلاسات والنهب والسرقات.
في جزائر اليوم لا يوجد نظام قضائي وقانوني رادع لمثل هذه الممارسات وفقدت المؤسسات التي كانت تحظى على الاقل باحترام الشعب مكانتها وانغمست هي الاخرى في نفس الممارسات غير الاخلاقية وغير المشروعة وتحولت هذه الاجهزة الى مؤسسات لرعاية هذا الفساد الذي انتشر في السنوات الاخيرة في كافة مؤسسات الدولة واجهزتها الادارية والقضائية والسايسية.
الخروج من الازمة الراهنة لا ياتي من خلال رسالة يوقعها تسعة عشرة شخصا تطالب بالاجتماع بالرئيس . بل ان هذه المرحلة الصعبة والخطيرة التي تمر بها الجزائر اليوم تستدعي جهدا وطنيا كبيرا ضد نظام الفساد وضد هذا الواقع السياسي المزري . وكل ذلك يتم من خلال اعادة الاعتبار للاطارات الكفؤة والمخلصة للوطن واعطاء نفس جديد للعمل السياسي النزيه واعادة الاعتبار للعدالة الجزائرية والاجهزة الامنية الوطنية في محاربة الفساد القائم بالقانون الرادع والنزيه.
الوصول الى ذلك ليس مستحيلا بتوفر ارادة وطنية صادقة تكشف عيوب الوضع الراهن وتنبه بالاخطارالتي قد تفرزها المرحلة الراهنة بمستقبل الجزائر على السمرحين الداخلي والاقليمي وعلى علاقاتها بالعالم الخارجي.