في حادث يعد الأخطر من نوعه منذ عقود، اتهمت الجزائر في بيان عنيف المغرب بقتل ثلاثة من مواطنيها في قصف جوي في الطريق الرابط بين الجزائر وموريتانيا عبر الصحراء. وتوعدت بأن “اغتيالهم لن يمضي دون عقاب”. ويعد الحادث ضربة قوية لأي مفاوضات مستقبلا حول مستقبل الصحراء بل وقد يؤدي بانخراط الجزائر بشكل ما في المناوشات العسكرية بين المغرب والبوليساريو.
وهكذا، فقد سجل التوتر بين المغرب والجزائر تصعيدا جديدا وخطيرا للغاية بعدما أكد بيان الرئاسة الجزائرية هذا الأربعاء الأخبار التي جرى تداولها حول مقتل ثلاثة مواطنين جزائريين في قصف يزعم أن سلاح الجو المغربي نفذه الاثنين الماضي، وذلك خلال رحلة تجارية لهؤلاء المواطنين بين العاصمة نواكشوط وورقلة في الجنوب الجزائري. ولم يوضح البيان مكان الحادث بالضبط، ولكن كل المعطيات تؤكد أنه وقع في الصحراء وبالضبط في الأراضي التي تقع وراء الجدار الذي شيده المغرب ويفصل المنطقة الى قسمين.
وجاء البيان الجزائري عنيفا ولا سابق له ضد المغرب، ووصف مقتل المواطنين الثلاث ب “القصف الهمجي الجبان”. ويضيف في فقرة أخرى عنيفة حرفيا “عدة عناصر تشير إلى ضلوع قوات الاحتلال المغربية بالصحراء الغربية في ارتكاب هذا الاغتيال الجبان بواسطة سلاح متطور”. ويستطرد بوصف عملية القصف ب “إرهاب دولة”، ويحذر البيان أن الاعتداء لن يبقى بدون “عقاب”.
وينهج المغرب الصمت منذ أسابيع حول عدد من الاتهامات التي توجهها له الجزائر تجنبا للتصعيد لاسيما بعدما قطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع الرباط يوم 24 غشت الماضي ومنعت الطائرات المغربية من المرور بأجوائها. ولكن أمام الاتهامات الحالية نظرا لخطورتها رد المغرب بطريقة غير مباشرة. وفي انتظار بيان رسمي، نقلت فرانس برس عن مصدر مغربي أن “المغرب لن ينجر الى دوامة عنف تهز المنطقة”، واتهم الجزائر بجر المنطقة الى الحرب. وأوردت قناة العربية نفي المغرب لقصف جوي من طرف الجيش المغربي بل يتعلق الأمر ب “انفجار شاحنتين بسبب ألغام مزروعة، وكانت الشاحنتان تحملان أسلحة للبوليساريو”. وتنسب الصحافة هذه التصريحات الى مسؤول دبلوماسي مغربي رفيع المستوى دون تحديد هويته.
صورة للشاحنتين اللتين يفترض أنهما تعرضتا للتدمير
وتوجد مناوشات عسكرية محدودة بيت المغرب وجبهة البوليساريو منذ إعلان الأخيرة وقف العمل باتفاقية الهدنة خلال نوفمبر من السنة الماضية. وتشن البوليساريو بين الحين والآخر هجمات ضد تمركز الجيش المغربي على طول الجدار الفاصل في الصحراء، وبدوره يقصف سلاح الجو المغربي بواسطة طائرات درون السيارات والشاحنات التي تقترب من الجدار.
ويوجد تخوف من احتمال وقوع مواجهة بين البلدين المغرب والجزائر، ويبقى السيناريو الوارد لاسيما في ظل إصرار الجزائر على ممارسة حق الرد ووصفته ب “العقاب” هو مشاركة الجزائر للبوليساريو في تأمين طريق الشاحنات التي تمر عبر الجزء الجنوبي من الصحراء. وكانت الجزائر قد أكدت أن الصحراء عمق استراتيجي لها، وهي تصريح لا سابقة له. وإذا وقع هذا السيناريو، ففرضية تطور الأمور الى مواجهة عسكرية ستكون واردة للغاية. في الوقت ذاته، قد تستغل الجزائر اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة مع البوليساريو لتدخل الحرب عبر دعم كبير بالعتاد والجنود الجبهة.
ويعد هذا الحادث أكبر عائق أمام استئناف مفاوضات السلام بين الأطراف المعنية بالصحراء لأنه يزيد من التوتر في المنطقة وخلق أجواء شبيهة بمنتصف السبعينات عندما وقعت مناوشات حربية بين المغرب والجزائر.