تعيش الجزائر أزمات متعددة بدأت تأخذ طابعا هيكليا خلال المدة الأخيرة ، فبعد أزمة الرئيس الجزائري وفضائح الفساد في شركة سونتراك، يعيش المشهد السياسي على إيقاع الأزمة التي تهدد وحدة وصلابة جبهة التحرير الوطني التي تعد ركيزة الاستقرار السياسي للسلطات الحاكمة، وذلك بعد فشل مؤتمرها الأخير في توحيد التيارات المتصارعة حول أمين عام منتخب يحظى بالمصداقية.
واختار أعضاء جبهة التحرير الوطني الخميس الماضي عمار سعيداني أمينا عاما خلفا لعبد العزيز بلخدام الذي تم سحب الثقة منه في فبراير الماضي بعدما كان يعتبر أحد السياسيين الأقوياء في البلاد. ويأتي اختيار سعيداني في أعقاب أزمة تتجلى في تصارع تيارين وسط هذا الحزب التاريخي، وهو أمر لم يشهده الرأي العام الجزائري من قبل.
وتؤكد بعض وسائل الاعلام الجزائرية أن عملية انتخاب سعيداني لم تحل المشاكل، إذ اعتبر منافسوه قبل أيام ان اجتماع اللجنة المركزية للحزب “غير قانوني” وعمدوا الى مقاطعته.
وجاء عقد اجتماع اللجنة المركزية للحزب في أعقاب قرارات متناقضة بين القضاء ووزارة الداخلية بالمنع والترخيص المضاد للاجتماع لاختيار الأمين العام. ويعتبر عبد الرحمان بلعياط متزعم المعارضة في هذا الحزب التاريخي أن اختيار سعيداني ليس قانونيا خاصة بعدما حضر 273 فقط من أصل 340 من الأعضاء.
وسيحاول سعيداني أن يكتسب شرعية قوية عندما سيستقبله الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والذي يشغل منصب الرئيس الشرفي لهذا الحزب التاريخي ويعتبر من أبرز وجوهه التاريخية رفقة الرئيسين السابقين، أحمد بن بلا والهواري بومدين. لكن جناح بلعياط طالب من الرئيس بوتفليقة أول أمس تجميد انتخاب سعيداني.
ويرى المراقبون أن إضفاء بوتفليقة الشرعية على سعيداني لن يحل مشكل جبهة التحرير الوطني التي فقدت الكثير من قوتها رغم استمرارها في السيطرة على البرلمان الجزائري ب 221 مقعدا من أصل 432.
في غضون ذلك، تفاقم الأزمة السياسية وسط جبهة التحرير الوطني يزيد من تفاقم أسس السلطة التاريخية في البلاد خاصة في وقت يجري الحديث عن احتمال انفجارات اجتماعية في أي وقت. وتراكم الأزمات في مختلف القطاعات الحساسة، جعلها تتحول الى أزمة هيكلية في الجزائر وتتجلى في:
-المحاولة الصعبة وسط الأجهزة الأمنية والعسكرية بتفويت القيادة من جيل قديم الى جيل جديد خاصة وسط المؤسسة العسكرية التي تشير الأصابع الى تورط بعض أعضاءها في الفساد وخروقات حقوق الإنسان.
– الفساد الذي يخرق مؤسسة سونتراك النفطية التي شهدت اختلاسات كارثية دفعت بوزير النفط شكيب خليل الى الهرب الى الخارج بل وأن القاء الإيطالي يحقق في فساد سونتراك بعدما صمت القضاء الجزائري.
-وضع الجمود على مستوى رئاسة البلاد، حيث يوجد بوتفليقة في وضع صحي حرج للغاية لا يسمح به بممارسة مسؤولياته الرئاسية ولم يقرر الانسحاب.
وأخيرا، الأزمة الخطيرة وسط جبهة التحرير الوطني التي تعتبر السند السياسي والبرلماني لقرارات السلطة والآن تعيش انقساما واضحا في صفوفها، انقسام يؤكد أنها لن تعد للسيطرة على الوضع السياسي والتشريعي كما كان في السابق.