يحتفل الجزائريون، الجمعة، بالذكرى الـ59 لاندلاع ثورتهم ضد الاستعمار الفرنسي عام 1954، وسط جدل بين أحزاب المعارضة، التي تدعو إلى جعل انتخابات الرئاسة القادمة محطة لتغيير جذري ؛ لتحقيق أهداف الثورة، والموالاة التي تثمن ما تم إنجازه، وتحث على استمرار النظام الحالي.
وطغى الجدل بشأن مستقبل البلاد مع اقتراب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من إنهاء ولايته الثالثة في أبريل/ نيسان القادم، على احتفالات الجزائريين بالذكرى الـ 59 لاندلاع الثورة التحريرية التي وقعت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954، وأنهت قرابة 130 سنة من الاستعمار الفرنسي (1830/1962)، ويصفها المؤرخون بأنها “أكبر الثورات من أجل التحرر في العالم الثالث خلال القرن العشرين”.
ومع اقتراب بوتفليقة (76 سنة) الذي وصل إلى الحكم، عام 1999 من إنهاء ولايته الثالثة، لم يعلن حتى اللحظة إن كان سيغادر السلطة، أو يترشح لولاية رابعة خلال الانتخابات المقررة في أبريل/نيسان القادم ، بحكم أن الدستور الحالي يمنحه حق الترشح لولاية أخرى.
واستبقت المعارضة هذه المناسبة بالتأكيد على “فشل النظام الحاكم منذ الاستقلال عام 1962 في تحقيق أهداف هذه الثورة في بناء دولة تسودها الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، في إطار المبادىء الإسلامية”.
وقدمت “مجموعة الأحزاب للدفاع عن الذاكرة والسيادة الوطنية”، وهي أكبر تكتل للمعارضة في البلاد، وتضم 14 حزباً سياسياً أهمها: حركة “مجتمع السلم” أكبر حزب إسلامي في البلاد، في هذه المناسبة ما وصفته بـ”الحصيلة الفاشلة” للنظام الحاكم منذ الاستقلال.
وقالت في بيان لها وصل الأناضول نسخة منه، إن “الذي يحز في نفوس المخلصين من جيل الثورة، وأبناء الاستقلال اليوم، أن حصيلة الإنجازات بعد أكثر من خمسين سنة من طرد المستعمر، تركزت على الهياكل، وأهملت الإنسان، وخاصة من حيث مستوى التعليم، والعدالة الاجتماعية والصحية، مما لا يتناسب مع حجم تلك التضحيات والتطلعات، والإمكانيات المادية والبشرية التي تزخر بها الجزائر”.
وحملت المجموعة، السلطة الحاكمة “مسؤولية تفويت فرصة التغيير الحقيقي، والإصلاحات المنشودة بمناسبة الاستحقاق الرئاسي المقبل” في إشارة إلى انتخابات الرئاسة المرتقبة.
وحذرت المجموعة من “سياسة الأمر الواقع التي تنتهجها السلطة منذ الاستقلال، منوهة إلى “مخاطر التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي تعيشها البلاد”.
وكانت هذه الأحزاب المعارضة أعلنت سابقاً رفضها التمديد لبوتفليقة من خلال تعديل الدستور، كما تشارك في مشاورات للاتفاق على مرشح واحد للمعارضة في الانتخابات القادمة.
من جهتها اتخذت أحزاب الموالاة ذكرى الثورة، للدعوة إلى “الالتفاف حول ما تسميه إنجازات الجزائر في مرحلة ما بعد الاستقلال، ودعم استمرار بوتفليقة في الحكم”.
وشدد حزب “جبهة التحرير الوطني” الحاكم في بيان له في هذه المناسبة، على “تجنده الكامل لإنجاح مشاريع التنمية التي أطلقها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، والتي تصبو إلى تحقيق رفاهية الشعب الجزائري، و إكساب الدولة الجزائرية المناعة و القوة”.
وأشار إلى “تصديه لكل من يريد إفراغ رسالته من محتواها، والعاملين، والطامحين، على أن يتنحى من الساحة السياسية، انتقاماً للانتصار التاريخي لثورة نوفمبر الخالدة بقيادة جبهة التحرير الوطني”.
ولم يفوت الحزب، الذي أعلن سابقاً ترشيح بوتفليقة رسمياً لولاية رابعة هذه المناسبة؛ لدعوة “الأسرة الثورية إلى الوقوف صفاً واحداً؛ لدعم ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة، حتى تصل البلاد إلى بر الأمان، ويعم الرخاء والأمن والسلام”.
والأسرة الثورية في الجزائر هي “مجموعة منظمات وجمعيات تتولى الدفاع عن المجاهدين الذين شاركوا في الثورة التحريرية، وكذا عائلات وأرامل وأبناء الشهداء الذين سقطوا خلالها، وهي كيانات ساندت بوتفليقة منذ وصوله الحكم عام 1999، وينتمي أغلب أعضائها سياسياً للحزب الحاكم وشريكه في الحكومة التجمع الوطني الديمقراطي”.
وتشهد الجزائر خلال الأسابيع الأخيرة، حالة استقطاب كبير بين مؤيدي بوتفليقة ومعارضيه، ففي الوقت الذي شرع حزب “جبهة التحرير الوطني” الحاكم في تشكيل تحالفات سياسية، لدعم ترشح بوتفليقة لولاية رابعة، ظهرت في الساحة السياسية عدة مبادرات حزبية ومن شخصيات وطنية، تدعو لقطع الطريق على “استمرار بوتفليقة في الحكم”، و”التوافق على مرشح واحد للمعارضة، لأن وضعه الصحي لا يسمح بذلك” على حد قولها.
وأدت القرارات التي اتخذها الرئيس الجزائري في سبتمبر/ أيلول الماضي بإجراء تعديل حكومي كبير، مس وزارات سيادية كالداخلية، والخارجية، والعدل والإعلام، والمجلس الدستوري إلى جانب تغييرات داخل المؤسسة العسكرية، وجهاز المخابرات القوي، وكذا تغيير محافظي الولايات الكبرى، إلى خلط الأوراق السياسية في البلاد، حيث أعطى ذلك الانطباع أن الرجل “يمهد الطريق لافتكاك ولاية رابعة- حسب المعارضة- رغم أنه لم يعلن ذلك رسمياً.
وعاد بوتفليقة، منتصف يوليو/تموز الماضي من فرنسا، بعد رحلة علاج دامت أكثر من شهرين ونصف، وقال بيان رسمي إنه “سيكمل فترة التأهيل الوظيفي بالجزائر”، فيما أشارت وسائل إعلام فرنسية، إلى أنه “عاد على كرسي متحرك، وهو غير قادر على الحركة”.
ورغم أنه استأنف نشاطه الرسمي فور عودته من فرنسا، في شكل اجتماعات مع كبار مسؤولي الدولة وأعضاء الحكومة وكذا ضيوف أجانب، إلا أن الرئيس بوتفليقة الذي يبدو أنه لا يقوى على السير مازال لم يظهر في نشاط رسمي يتطلب تنقلات أو جهداً بدنياً كبيراً.