يبدو أن السياسة قد استنفذت كل إغواءتها وآلياتها لنسف ركام الخلافات القائمة بين بلدان المغرب العربي، خاصة بين المغرب والجزائر، وباتت عاجزة عن تحقيق اختراق ولو نسبي في جدار الفصل بينهما. وفي الوقت ذاته سدت المنافذ في وجه الاقتصاد لخلق أرضية مصالح مشتركة قد تعطل الشلل الكلي الذي يزكم التواصل على الجبهة السياسية. ويبقى تجريب دبلوماسية ترتكز إلى الثقافة منطقا وقيمة أمرا واعدا على الاقل للحديث عن بديل محتمل لتحقيق مأرب التقارب وخلق مجال للمناورة من أجل تجاوز حالة الانسداد المزمن في علاقة البلدين الجارين.
وتناولت الاحد صحيفة الخبر الجزائرية لقاء أجرته مع ثلة من السينمائيين المغاربة كانوا يشاركون في ملتقى للسينما المغاربية بالجزائر فاستضافتهم إلى لقاء من تنظيمها و وضعت في تغطيتها لذلك الحدث عنوانا: “الثقافة هي الدبلوماسية الثالثة لحل النزاعات السياسية”، في تلميح بائن إلى ضرورة تجريب طريق الثقافة في حل الخلافات السياسية بين بلد ضيوفها من السينمائين المغاربة وبلدها هي الجزائر.
وعلى الرغم من أن العنوان قد يكون أكبر قليلا من الحدث واعظم أملا وتفاؤلا من إمكانات الراهن، إلا أنه من جهة أخرى، يشير إلى وجود طريق ثالث يمكن تجريبه والاستثمار فيه للالتفاف على الخلاف السياسي المحتدم بين البلدين الجارين.
وسيكون متناغما مع الدعوة إلى تجريب هذا المسلك الثالث، الدعوة أيضا إلى تامل واقع هذه الطريق و قدرتها على تحمل فعل التجريب واستيعاب الآمال المعقودة عليه. فكيف إذن هي حال الثقافة وحال المثقفين في كلا البلدين؟ وهل كلا الحالتين قادرتين على احتضان اقتضاءات مشروع الطريق الثالث الذي يقود إلى ردم هوة الخلافات في مضايق السياسة.
ما زالت الثقافة في المنطقة المغاربية عموما ينظر إليها قطاعا ثانويا هو للتزيين والسمر اكتر منه أداة للتنمية والتحول، ميزانتيها لاتتجاوز في المغرب مثلا 0.20 في المائة من مجموع الميزانية العامة، وتزيد الجزائر قليلا عن هذه النسبة ولا تتجاوز في اكبر تقدير 1 في المائة لكنه تبقى نسبة ضعيفة بالنظر إلى ما تملكه من نفط وغاز، وما زالت البنى التحتية الثقافية محدودة في البلدين، حيث يظهر اختلال واضح بين نسبة المؤسسات الثقافية القائمة ونسبة السكان.
من جهة اخرى مازال منسو ب الحرية اللازم لإنعاش الثقافة،خاصة المستقلة والملتزمة سياسيا، منحدرا وإن بتفاوت بين بلدان المنطقة . وقد يغني للاستدلال على ذلك بالنسبة إلى المغرب ما يذكره السينمائيون المغاربة الذين استضافتهم صحيفة الخبر حينما يعددون من منجزاتهم إنجاز افلام عن سنوات الرصاص بالمغرب، ويغيب عنهم ان الدولة المغربية نفسها سبقتهم إلى فتح هذا الملف ضمن اقتضاءات التحول، فيعكس ذلك من ناحية أخرى مستوى الجرأة السياسية كما يعتمل في ذهن هؤلاء السينمائيين، والذي بالتاكيد سوف يتأثر إبداعهم به سلبا.
وفي الجزائر لا تتوانى الحكومة في استصدار القوانين التي تكرس مراقبة الدولة للانتاج السنمائي وتحكمها فيه كما جرى في العام 2011 و2012.
ويشتكي كثير من السينمائيين الجزائريين من أن تلك القوانين تخنق الإبداع السينمائي في البلاد. فمازلت السينما قطاعا غير مستقل في البلدين المغاربيين يعتاش من الدعم الذي تقدمه له الدولة، وذلك شرط لتوجييه. ويمكن تعميم واقع السينما المذكور على الثقافة عموما في المنطقة المغاربية، حيث ما زالت تتسول رزقها من اعتاب السلطة فترهنها إلى مصالحها، وتقيد انطلاقها واستقلاليتها.
ولا يغيب عن ذلك كله كون غالبية المثقفين في المنطقة المغاربية مازال يعييهم العجز عن صياغة خطاب مؤسساتي ينطق باسم قطاع الثقافة، وتكون له سلطته وقدرته على الفعل السياسي والاجتماعي وعلى صناعة الرأي العام، وعلى امتلاك القدرة على الحشد والتعبئة، وخلق المبادرة وفرض واقع.
في ظل هذا الواقع عن الثقافة والمثقفين سيكون تجريب الطريق الثالث، أو الدبلوماسية الثقافية لكسر جليد الخلافات السياسية بين الغرب والجزائر محفوفا بهذه التحديات النابعة من واقع الثقافة نفسها، ومن الواقع المتشابه للمثقف المغربي والجزائري. لذلك سيكون لزاما ان تكون عزيمة ثقافية موحدة بين النخب المثقفة المغربية وا لجزائرية أشد على تاهيل واقعهم اولا، والاستقلال بسلطانهم عن ظل السلطة والاقتدار على مأسسة خطابهم وجعله فاعلا وقادرا على التوجيه. انذاك سيكون الظرف أنسب على خوض الطريق الثالث لكسر الجمود السياسي
الثقافة والطريق الثالث لتغيير الواقع السياسي المتأزم في العلاقات المغربية الجزائرية/ محمد المودن
تجريب الدبلوماسية الثقافية لحل الخلافات المغربية الجزائرية