يستمر المشهد السياسي الإسباني في حمل مفاجآت كثيرة بفضل ظهور هيئات سياسية جديدة وتراجع الأحزاب الكلاسيكية. فبعد ظهور حزب بوديموس الذي يغير من خريطة اليسار، يأتي دور اليمين الذي يسجل بروز حزب “المواطنون” الذي يهدد تربع الحزب الشعبي على عرش اليمين منذ الانتقال الديمقراطي.
وحملت الانتخابات الخاصة بالبرلمان الأوروبي مفاجئة كبرى في اسبانيا بتحول حزب بوديموس الى القوة اليسارية الأولى في البلاد متفوقا على الحزب الاشتراكي الذي يعتبر ثان أقدم حزب في أوروبا. بل وتحول الى القوة السياسية الأولى متفوقا في بعض استطلاعات الرأي على الحزب الشعبي الحاكم.
وكان هذا الأخير هو الرابح من ظهور حزب بوديموس بحكم استمراره في التربع على عرش اليمين المحافظ منذ عقود بينما اليسار يتشتت. لكن هذه الفرحة لم تدم، إذ حمل شهر فبراير الجاري مفاجآت غير سارة للحزب الشعبي، فقد بدأ يبرز نجم حزب “سيودادانوس” ويعني “المواطنون” بزعامة سياسي شاب رفيرا يخلق المفاجأة وانتقل الى المركز الرابع في آخر استطلاع للرأي لإذاعة كادينا سير بأكثر من 13%.
ولم يسبق أن شهدت اسبانيا ومنذ بداية الثمانينات حزبا يمينيا بهذه القوة ينافس الحزب الشعبي. فحزب “المواطنون” يحمل خطابا شفافا وليبراليا مقارنة مع الحزب الشعبي. ويسميه بعض الصحفيين والمحللين ومنها مجلة “لمريا” “بوديموس اليمين” على شاكلة التحول الذي خلقه بوديموس في اليسار.
وعلى شاكلة بوديموس، لا يتوفر حزب “سيودادانوس” على تمثيلية في البرلمان الوطني في اسبانيا، فهو حزب يوجد في كتالونيا، ولكنه منذ بداية السنة بدأ يمتد الى باقي اسبانيا، وهذا يحدث لأول مرة. وخلق زعيمه ألبير ريفيرا يوم الثلاثاء الماضي في مدريد الحدث السياسي هذا الأسبوع وربما طيلة الشهر الجاري نظرا للاهتمام الإعلامي والسياسي وطنيا ودوليا.
ويخلق الحزب الجديد توترا وسط الحزب الشعبي الذي فجأة يجد أمامه حزبا ليبراليا يتبلور بقوة ويحصل على 13% من الأصوات وقد يرتفع الى 20% خلال الشهور الأخيرة. وتهاجم وسائل الاعلام اليمينية الموالية للحزب الشعبي مثل آ بي سي ولراثون الحزب الجديد.
وظهور حزب سيودادانوس، يؤكد التغيير الجذري الذي تسجله الخريطة السياسية الإسبانية منذ السنة الماضية. وهذا التغيير الحاصل سيحمل تأثيرات بطريقة أو أخرى على العلاقات المغربية-الإسبانية، لسببين، الأول احتمال وصول هذه الأحزاب الجديدة الى الحكم مستقبلا، والثاني يتجلى في ائتلافات حزبية للحكم الأمر الذي سيجعل الأحزاب الجديدة تبصم السياسة الخارجية الإسبانية.
وإذا كان حزب بوديموس قد أعلن مواقفه من قضايا تهم المغرب ومنها الدعم المطلق لجبهة البوليساريو في نزاع الصحراء، فالحزب الجديد يتبنى المواقف نفسها من خلال مواقف الحزب الداعمة لتقرير المصير.
ومنطقيا، عندما يصل حزب الى الحكم يصبح برغماتيا، لكن هذا يتعلق بالأحزاب الكلاسيكية مثل الحزب الشعبي الذي كان يعارض المغرب في الصحراء، وتبنى الحياد عند وصوله الى السلطة مقابل صمت المغرب على سبتة ومليلية. ولكن الأحزاب الجديدة مثل بوديموس وسيودادانوس تحمل رؤية مختلفة وهي محاولة الالتزام بمواقفها وبرامجها. وتوجد أمثلة من يسار أمريكا اللاتينية، ومؤخرا من اليونان، حيث يؤكد حزب سيريزا على برنامجه الاقتصادي الى مستوى يهدد العملة الموحدة الأوروبية اليورو.