بينما الجزائريون منشغلون بأمر الفراغ الرئاسي الذي يحدثه عجز الرئيس بوتفليقة عن ممارسة مهامه الرئاسية بشكل طبيعي وكامل، وتداعياته على حياتهم السياسية والاجتماعية، فوجئ الرأي العام المحلي بتعديل حكومي مثير أتي من خلاله الرئيس المريض على تغيير عدد من الحقائب الوزارية بما فيها الاستراتيجية مثل الداخلية والدفاع والخارجية وغيرها. ويبقى التساؤل الأبرز متجليا في استشراف ما إذا كان هذا التعديل الحكومي يحمل تصورا سياسيا واستراتيجيا جديدا من السلطة الجزائرية لملفات داخلية وخارجية بما فيه تلك التي تعني العلاقات مع المغرب، أم هو تعديل جرى اتخاذه لهدف داخلي ويعني أساسا وضع رئيس البلاد المريض وتأمين سلطته في خضم صراعه السياسي الداخلي .
وأحدثت الرئاسة الجزائرية تعديلا عميقا في حكومة الوزير الأول عبد المالك سلال حيث جرى تغيير وزارات مهمة وسيادية مثل الداخلية والخارجية والدفاع، ناهيك عن قطاعات أخرى مثل قيادة اجهزة الاستخبارات الداخلية والعسكرية ووزارات أخرى. وهكذا فقد أنهى بوتفليقة عمل وزير الداخلية دحو ولد قابلية الذي كان تزعم حملة جدل سياسي ضد المغرب حول مسالة فتح الحدود، ثم جرى التخلي عن وزير الخارجية مراد مدلسي وتعويضه برمطان لعمامرة وهو شخصية دبلوماسية جزائرية بارزة له علاقات إفريقية مهمة واطلاع على ملفات إقليمة ستسهل عمل المساعي الجزائرية للحضور بالقارة الإفريقية بقوة والتعاطي مع قضاياها الآنية وخاصة ملف الارهاب والتعاون الأمني بيسر ومن دون معيقات.كما جرى تعيين رئيس اركان الجيش قايد صلاح نائب وزير الدفاع خلفا للواء عبد المالك قنايزة، واحتفظ قايد صلاح بمهمته كقائد أركان الجيش واضافة الى الإشراف على اجهزة الاستخبارت الامنية الداخلية و العسكرية.
واعتبر المراقبون سواء داخل الجزائر أو خارجا هذه التعديلات مفاجئة وتسوجب قراءتها في ظل الوضع الجزائري الداخلي والمستقبل السياسي لعبد العزيز بوتفليقة الذيي يبدو أن مرضه لم يقعده عن إلحاق تعديل حكومي بهذا الحجم.
ورات صحيفة الخبر الجزائرية في التعديل الحكومي الجزائري سعيا في “تغير موازين القوى في أعلى هرم السلطة على نحو واضح”، واعتبرت في نفس الوقت ان بعض التغييرات اتت لتقلم ظفر منافس لبعض اختصاصات بوتفليقة على صلاحياته كما جرى مع وزير العدل، حيث قالت عنه الخبر إنه “لم يكن متوقعا أن يغير الرئيس وزير العدل مرتين في ظرف سنة واحدة، بعدما استقر بلعيز في هذا المنصب لسنوات طويلة، لو لم يكن محمد شرفي قد خاض في ملفات يراها بوتفليقة على أنها من اختصاصاته لوحده”. واعتبرت في المقابل صحيفة الخبر تغيير وزير الخارجية مراد مدلسي تغييرا واقعيا بسبب ما اعتبرته “بعد الرجل عن مهام الخارجية وحاجة الجزائر إلى رجل قوي يقود دبلوماسيتها”.
و تشاطر صيحفة الشروق اختها الجزائرية الخبر التصور نفسه حول مبررات التعديل الدستوري، حيث رأت بدورها هذا التغيير الوزاري العميق في حكومة عبد المالك سلال أنه إنما تمت بغرض” إحكام الرئيس بوتفليقة قبضته على السلطة “، وذهبت في قراءتها تستشرف تداعيات هذه الخطوة غير المتوقعة على المستقبل السياسي للرئيس في ظل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقالت في هذا السياق:” إنه كان لافتا في التعديل الحكومي الذي حافظ فيه سلال على منصب الوزير الأول، سيطرة رجالات الرئيس على الحقائب المفتاحية، التي لها علاقة مباشرة بالانتخابات الرئاسية المقبلة “.
وفي ظل القرءات المتواترة وسائل الإعلام الدولية خاص الفرنسية التي تعنى كثيرا بالشان الجزائري فقد اهتمت صحيفة لوفيغارو بقراءتها للتعديل الذي لحق الدفاع والذي جرى فيه إسناد حقيبة نائب وزير الدفاع لقائد الجيش قايد صلاح ذي 80 عاما، وايضا الاستخبارت الداخلية، وقالت لوفيغارو :” إن هذا التعديل قد تم بغرض تثبيت تاثير بوتفليقة على هذا القطاع” واضافت ان الرئيس الجزائري “لا يخوض حربا مع الاستخبارت إلا بغرض ضمان دعم سلطته”، فيما رات عموما ان التعديلات على موستوى إسناد منصب نائب وزير الدفاع والاستخبارت المرتبطة بهذا القطاع إلى مقرب من بوتفليقة هو قائد صلاح يصدر عن عقيدة عبر عنها بومديين وهي “من لا يتحكم في الجيش لا يتحكم في أي شيئ”.
ويبقى المغرب أبرز دول الجوار المراقب لحركة التعديلات التي شهدتها فجأة الحكومة الجزائرية، نظرا لوجود قضايا خلافية بين البلدين من ابرزها ملف الصحراء المغربية، ومسألة فتح الحدود ، والعلاقات الثنائية، ويبقى التعديل الذي يعني على نحو ما المغرب يتمثل في وزير الخارجية الجديد، ولا يلوح في أفق العلاقات الثنائية في ظل هذا الوافد الحكومي الجديدي على الدبوماسية الجزائرية انه قد يحدث أثرا كبيرا على الوضع القائم. وإن كان رمطان العمامرة له نشاط دبوماسي واسع في إفريقيا ويتمتع بعلاقات قوية بزعماء القارة الإفريقية تسهل للجزائر نشاطها الدبلوماسي في هذه القارة التي تحتضن احد النزالات الدبلوماسية مع المغرب خصوصا فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية. وعلى الرغم من ان بعض وسائل الإعلام الجزائرية وصفته برجل المطافئ” ربما في إشارة إلى مساعيه الدبلوماسية لتجاوز الخلافات، فإنه لا ينتظر ان يحمل بداخل حقيبته أي مفاجاة للعلاقات الثنائية بين الرباط والجزائر.
واللافت ان التعديل الحكومي الواسع في الجزائر إنما تم حسب معظم تحليلات المراقب لهدف داخلي أساسا،وهو تعزيز سلطة الرئيس عبد العزير بوتفليقة السياسية ،وضمان قبضته على السلطة ،وسد الطريق على منافسيه الذين أطلت رؤوسهم سواء في الحزب الرئيس الذي يسند السلطة في الجزائر أو في المعارضة.
ويظهر أيضا ان الرئيس الجزائري، من خلال هذه التعديلات الواسعة، يعاند مطالب تنزيل البند 88 من الدستور الذي يوصي بالإعلان عن عجز الرئيس عن ممارسة مهامه، والإعلان عن انتخابات مبكرة.
وإذا كان المرض قد أقعد بوتفليقة عن ممارسة مهامه بشكل طبيعي،واضعفت فيه الإشرا ف اليومي على الحياة السياسية، فإنه لم يستطع ان يضعف مناعة التمسك بالسلطة إلى آخر رمق لدى الرجل، “محافظا على التقاليد العربية في الرئاسة التي لاتنتهي إلا بانتهاء حياة صاحبها”.