تحدث روسيا تغييرات جيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط من خلال تدخلها العسكري في سوريا، ومن أبرز عناوين هذا التغيير إلزام كل الدول التي كانت تنادي برحيل دكتاتور دمشق بتجاوز هذا المطلب وتقليص دور الدول الخليجية وتركيا في النزاع.
وفي ظل تطورات النزاع، زار الرئيس السوري بشار الأسد يومه الثلاثاء من الأسبوع الجاري العاصمة موسكو ويجري مباحثات مع نظيره الروسي فلادمير بوتين حول التعاون العسكري والسياسي، وهي زيارة ذات رمزية كبرى لأنها تؤكد قدرة الكرملين فك الحصار عن رئيس محاصر من طرف الغرب والدول العربية وجيرانه مثل تركيا. وكتبت الجريدة الرقمية سبوتنيك في موقعها يومه الأربعاء “زيارة بشار الأسد تعتبر أقوى صاروخ حتى الآن”.
ومنذ التدخل العسكري يوم 30 سبتمبر ضد الحركات الإرهابية وعلى رأسها داعش، تحدث روسيا تطورات لم تكن مرتقبة نهائيا قبل هذا التاريخ، إذ في ظرف ثلاثة أسابيع جعلت عدد من الدول تغير استراتيجتها وبالتالي حدوث تغييرات جيوسياسية في الملف السوري والشرق الأوسط برمته.
ويركز سلاح الجو الروسي قصفه على إضعاف البنيات التحتية لداعش والنصرة وحركات معارضة وبعضها إرهابي حتى يسمح للجيش السوري بالتقدم الميداني برا وفي أفق الاعداد لحملة تمشيطية كبرى بمشاركة قوات روسية وإيرانية وحزب الله. وتقول موسكو بتحقيقها في ظرف ثلاثة أسابيع من تدمير بنيات داعش ما عجزت عنه قوات التحالف الدولي طيلة سنة ونصف.
ونظرا لثقل وزن روسيا العسكري والسياسي، وتصميمها على حماية مصالحها في سوريا التي تمر عبر حماية نظام بشار الأسد، فقد أجبرت دول المنطقة بإعادة النظر في سياستها ومواقفها مكرهة ومجبرة عبر إشارات عسكرية وسياسية.
في هذا الصدد، قامت طائرات روسية بخرق الأجواء التركية مرتين وتصويب ضد مقاتلات تركية. ونتيجة هذا الإنذار، قامت تركيا بوقف تسريب الأسلحة الى المقاتلين في سوريا وإعلان قبول بقاء الأسد في السلطة مؤقتا ولفترة قصيرة بعد تسوية نهائية. وهذا الموقف مفاجئ في ظل إصرار الرئيس التركي طيب رجب أردوغان منذ بدء النزاع على ضرورة رحيل الأسد.
وكتبت الصحافة الروسية أن الهدف من وراء إطلاق صواريخ كالبير من قطع بحرية روسية مرابطة في بحر قزوين ضد مواقع داعش في سوريا كان إنذارا الى العربية السعودية بضرورة التزامها الحذر والامتناع عن تسليح المعارضة. وقام وزير الدفاع السعوديمحمد بنسلمان بزيارة موسكو وطلب التنسيق مع روسيا بل وقال ببقاء الأسد لفترة. وكانت الرياض أشد المعارضين لبقاء الأسد لكنها غيرت لهجتها نتيجة الحزم الروسي وتخلي واشنطن عنها.
وعكس ما تتحدث عنه الصحافة الدولية، يشير خبراء في السياسة الخارجية الروسية أن التدخل في سوريا هو جزء من استراتيجية شاملة للكرملين بإعادة ترتيب مصالحه وتواجده في الخريطة الدولية.